“منارات ثقافية” العدد السابع… أضواء على قضايا ساخنة في المجتمع اللبناني

Views: 887

 صدر العدد السابع من “منارات ثقافية”، وهي سلسلة دراسات في العلوم الإنسانية والاجتماعية. في ما يلي كلمة رئيس التحرير د. جان جبور التي تعرّف بمضمون العدد

 

يلعب البحث العلمي دوراً مهماً في الارتقاء بحياة المجتمع، لأنه يساعد على رصد المشكلات ويساهم في تقديم الحلول لها. من هنا، لم يعد البحث في عصرنا الحالي، بشكل خاص في العلوم الإنسانية والاجتماعية، أسير التنظير، وإنما ينحو باتجاه الدراسات الميدانية، حيث تتقاطع جهود الاختصاصات المختلفة لتتناول أية مشكلة من جوانبها المتعددة.

في هذا العدد نسلّط الضوء على أكثر القضايا سخونة في المجتمع اللبناني، النزوح السوري، وما له من آثار وتداعيات بدأت تظهر في مختلف الأصعدة، سيما فيما يتعلق بالأحداث وجنوحهم نحو الجريمة، أو ما يعانون منه من صعوبات تعلّمية. فلقد خلصت دراسة “الجريمة وأسبابها لدى القاصرين الجانحين الوافدين من الدولة السورية المسجونين في مبنى الأحداث في سجن رومية” (جاكلين سعد) التي تناولت 166 حالة من الأحداث الجانحين السوريين المحبوسين بعد ارتكابهم لعمل مخالف للقانون، الى أن الجنوح لدى هؤلاء ما هو إلا تعبير عن إحساسهم بعدم الانتماء الاجتماعي وبفقدانهم الإحساس بالاهتمام والرعاية من قبل المجتمع والأسرة؛ هذا الإهمال هو الذي دفعهم الى تشكيل عالم بديل، عالم العصابة الجانحة، بعد ان سُدّت أمامهم سبل التكيّف وبعد أن وقعوا ضحية إدانة المجتمع. صعوبة الاندماج هذه تلاقيها من وجهة نظر تربوية دراسة ميدانية بالفرنسية حول الصعوبات التي يواجهها الأحداث النازحون في الانخراط بالبرنامج التعليمي اللبناني، سيما تعلّم اللغة الفرنسية، مع تلمّس السبل الكفيلة بتخطّي بعض الإشكاليات (بوليت أيوب). وفي عودة لتدريس الفرنسية لأغراض محددة يلفتنا بحث في كيفية تطبيق نموذج تعلّمي خاص باللغة الأجنبية في كلية السياحة (زينة مكّي). وكما في الأعداد السابقة، تشمل الأبحاث ميادين مختلفة، من العلوم الاجتماعية حيث نجد رصداً للتحولات الاجتماعية من خلال “العلاقات الأسرية وتأثرها بالتكنولوجيا الحديثة” (ماري خير)، الى دراسة عن الشعر الحديث وآفاق النقد وحدوده، عبر تقديم نموذج لقراءة نقدية لقصيدة “نهر بين جنازتين” للشاعر المغربي محمد بنيس (زهيدة درويش جبور).

 وبالرجوع الى المرحلة التأسيسية للاستشراق المتأرجح بين ايديولوجيا التنوير ونظرية الاحتلال، يطالعنا تحليل مفصّل لكتاب “رحلة الى مصر وسوريا” لفولناي (جان جبور)، الذي يُقال أن بونابرت قرأه بتمعّن شديد قبل أن يُقدم على مغامرة احتلال مصر.

 وبما أن التاريخ مرآة للحاضر، فإن دراسة “الشرق الأوسط في مشاريع روسيا خلال مرحلة الحرب العالمية الأولى” (زياد منصور)، وما رافقها من تنافس روسي بريطاني على تقسيم المنطقة، ومن تشابك في المصالح  بين الدول الكبرى والإمبراطورية العثمانية في مسألة تحديد وترسيم الحدود، لا بد وأن يعيدنا الى كل المشاريع المشبوهة التي تلف منطقة الشرق الأوسط الآن، وكأن التاريخ يعيد نفسه. وفي الإطار التاريخي، هناك استحضار لحدث فريد تمثّل بالمحاولة الانقلابية الوحيدة التي جرت في تاريخ لبنان الحديث والمعاصر، وما كان لها من ارتدادات، “إنقلاب القوميين، الارتدادات والتداعيات على عكار 1961-1970” (جهاد عيسى).

كذلك يضم العدد قراءتين لكتابين صدرا حديثاً، الأولى لكتاب “التعليم العالي العربي وإشكاليات التطوير والتحديث” لرولا بردقان الذي يعرّي واقع التعليم الجامعي العربي (مصطفى الحلوة)، والثانية لكتاب “طرق الحرير، تاريخ جديد للعالم”، لبيتر فرانكوبان الذي يعيد النظر بسرديات التفوّق الغربي (طلال خوجة). أخيراً، في خضمّ الجدل الذي تثيره أعمال الروائية الفرنسية ماري داريوسيك، يأتي بحث “صراع المشاعر الدفينة في رواية “مات توم” لماري دوراسيك” (نانسي سعد) ليُبرز أهمية نتاج هذه الكاتبة التي تحصد الجوائز بالقدر الذي تنهال عليها الاتهامات بالسرقة الأدبية.

أما لوحة العدد بعنوان “الزمن” فهي تشكّل تحية لروح الفنان التشكيلي سايد يمين الذي غادرنا باكراً هذا الصيف في جنيف، حيث كان يقيم ويعمل، تاركاً أعمالاً فنية بديعة، وهو الذي عرف الشهرة العالمية بعد المعارض الفردية والمشتركة التي أقامها في كل من إيطاليا، سويسرا، فرنسا، ألمانيا، تونس ولبنان.

إن سلسلة “منارات ثقافية” باستقطابها المزيد من الأقلام الشابة تُسهم في تعزيز الأبحاث في مجال العلوم الإنسانية والاجتماعية التي أصبحت ضرورة للنهوض بالمجتمع، وخلق هوية بحثية وطنية لتلبية الحاجات المجتمعية التي لا تنفك تتزايد وتتعقد.                                                  

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *