فيليب حتّي… تاريخ إن حكى

Views: 1193

جورج سكاف

فيليب حتي، اسم علم في التاريخ، يجدد نفسه من عصر الى عصر . 

بين فيليب حتي هذا العصر، وفيليب حتي العصر الماضي، جينات استشراف وكتابة التاريخ، بحداثة الكلمة، التي كانت هي البدء، حتى اصبحت حجر الاساس في بناء سفر التكوين، منذ نشيد الاناشيد متسلقا قمم واودية لبنان التاريخ الذي سبق كل الأزمنة، ليشيد تاريخ لبنان والشرق فى العصور الحديثة، منقبا في اثارالأقدمين ما امكنه استطلاعه واستنطاقه، من احداث غيرت معالم الطبيعة، ومن غزوات واجتياحات وصدامات واستيطانات بدلت اسماء الشعوب والاوطان، من زالوا ومن نزحوا واستوطنوا هذه الفيافي التي اخذت تكبر وتتسع، تحصن مواقعها حفاظا على جذورها، وتنشيء المرافيء لتنطلق منها في مغامرات بلا حدود. حقبات وحقبات كاد يطويها الزمن لو لم يعد احياءها من وجد هوايته في بعث التاريخ بكلمة تسري على كل لسان وفي كل بلد ولدى كل شعب، في كتاب تاريخي خاص به، يتجدد مع اي مستجد، لدىيه او لدى الذين اتبعوا نهجه، في قراءة واستكشاف وتدوين وتعليم التاريخ. في كتابات جديدة اكثر وضوحا وتوثيقا. وجعلوا علم التاريخ وتحديثه من اهم العلوم في دراسة وفهم خصوصية الوطن والشعب، وفي فهم وتطور البشرية وتفاعل شعوبها في مختلف ارجاء العالم.  

الحديث عن فيليب حتي العصر الماضي، رائد علم التاريخ، يدفعنا عفويا الى ادراك نهج فيليب حتي العصر الحديث، في عصرنة  كتابة التاريخ، بواسائله الاعلامية الواسعة. فبين فيليب ذاك الذي ولد ونشأ في شملان وتلقى علومه الابتدائية تحت سندياتتها، وتا بع دراسته  في سوق الغرب وأكملها في الجامعة الاميركية حتى شهادة البكالوريا وفي الوقت ذاته مارس مهنة التعليم قبل ان يسافر الى اميركا وينال شهادة الدكتورا من جامعة كولومبيا، ومنها يبدأ دربه الطويل في دراسة وتعليم وكتابة التاريخ العربي، فأسس في جامعة برنستون اول دائرة للشؤون العربية في الجامعات الاميركية. تعنى بتدريس تاريخ العرب وباللغة العربية، بينه وبين فيليب عصرنا اليوم، قرن كامل من التقدم والتطور لجينات التورخة العربية، وقد ارتقت كثيرا ما بين جامعات لبنان واميركا، وبرز فيها مؤرخون كبار امثال جواد بولس وقسطنطين زريق وأمين فارس وجبرائيل عبد النور… وانتشرت كتبهم وصارت المراجع الرسمية،  قبل الدساتير، لقيام الاوطان والانظمة. 

فيليب حتي هذا العصر هو ايضا رجل قلم، لم يؤلف كتبا في التاريخ، بل اخذ من التاريخ المادة الصلبة في كتاباته الحديثة، فالتاريخ اليوم لم يعد يدون في كتب بل يكتب يوميا في الصحف. فالصحافة هي  يومياتنا التاريخية، نرجع اليها لنكتب، بكل تفصيل ودقة، عن اي بلد او اي حدث، او اي انتاج فكري او تأليف ثقافي، عن اي اكتشاف علمي. وعن كل تبدل في الحكم وفي النظام في هذا البلد او ذاك.

جورج سكاف

 

*

جمعتني وفيليب حتي  زمالة الكلمة وصداقة دائمة في انبل واصدق تعابيرها واهدافها، انا كصحافي ناشيء وهو كمنتج صحافي، له الكثير من الخبرة، والأكثر من الأصدقاء. يكمّل واحدنا الآخر، فالصحافي ينجح باقبال القراء على قراءة  صحيفته وخاصة باقبال المعلنين على تزويدها باعلاناتهم. وفيليب حتي الى جانبنا سندا وشريك نجاح، يملك شركة اعلانات، العالمية، ولكنه كان اكثر اندفاعا وحماسة في انجاح العمل الصحافي، يقترح ويساهم في اصدار الاعداد المتخصصة. وبكياسته ولباقته يقرب بين مصلحة المعلن ومنفعة الصحبفة، فتكسب الصحيفة بقدر ما تسهم في تسويق منتج التاجر والصناعي, 

كثيرا ما نجح وبرع في اتتقاء المواضيع وتحضير الملفات، مع توثبقها بأشهر ما كتب فيها، واصدرها باخراج فني متقن يمزج بين الماضي العريق والحديث المشوق، فيبدو عمله باصالته القديمة العريقة جديدا مبتكرا، وابن عصر جديد. 

فيليب حتي

 

*

التقينا مجددا في التعاون الاعلامي، عند اصدار مجلة نقابة الصحافة، باشراف لجنة من اعضاء النقابة برئاسة النقيب، وقد تولت مؤسسة فيليب حتي، التي كبرت وتعددت نشاطاتها، عملية الانتاج تبويباً واخراجا وطباعة وتسويقا اعلانيا، وتوزيعا على المراجع الرسمية والثقافية والاكاديمية والاقتصادية. وكان لفيليب حتي، في كل عدد، اسهام صحافي شخصي يعطي المجلة قيمة مضافة، تتعدى الكتابة الصحافية االمهنية العادية، والتسويق الاعلاني الذي يدعم المجلة ويمكنها من ان تكون احدى أرقى واجمل واغنى المجلات. وفي مناسبة عيد 6 ايار، الذي كان عيد الشهداء، والغي كعيد رسمي ليظل عيدا للصحافة وحسب، نقوم فيه بتكريم شهداء الصحافة بوضع اكاليل الزهر على اضرحتهم، واضفنا اليه لفتتة تقدير  بتقديم دروع التكريم الى كل صحافي امضى خمسين سنة في العمل الصحافي، وزادت المناسبة اهمية بتحديد يوم 3 ايار اليوم العالمي لحرية الصحافة بقرار من الأمم المتحدة.. بدلا من اصدار عدد عادي من المجلة يحيي ذكرى من اعدموا في ساحة الشهداء فداء عن حرية الصحافة، بمقالات وجدانية، تشمل من استشهد، من اهل القلم، ايام الظلم والاستبداد، والذين يستشهدون هذه الايام المجحفة، من ضنى وتضييق واهمال، اعد فيليب حتي، وباسمه الذي يحمل جينة ذاك المؤرخ الكبير، دراسات تاريخية متكاملة وموثقة عن الصحافة اللبنانية، عن كل من استشهد قديما وحديثا، دفاعا عن حرية الرأي والكلمة، وعن كل ابطال معارك الحرية في كل عهد وفي كل صحيفة، وعن تاريخ النضال الصحفي في بناء الاوطان ونهضة الامم وانتشار نزعة الحرية في كل بلدان العالم. واذا بهذا العدد من المجلة يصبح مرجعا موثوقا  للصحافة، وكتاب تاريخ الصحافة اللبنانية، صحفاً وصحافيين، لمؤرخ هذا العصر فيليب الياس حتي.

فيليب حتي إلى جانب تمثال سميّه المؤرخ الدكتور فيليب حتي

 

كان سيتبعه بتاريخ أحدث واغنى.بمناسبة الاحتفال بمئوية تأسيس نقابة الصحافة، توافقنا على وضع برنامج لسلسلة اعداد خاصة بهذه المناسبة، تتناول اما المؤسسات التى تبلغ العيد المئوي لصدورها، او ذكرى مرور مئة سنة على ميلاد صاحبها، او غيابه. فزودنا فيليب حتي بقوائم تاريخية دقيقة عن كل صحيفة وكل صحافي، وعن كل المراحل التي مرت بها الصحيفة، اين صدرت ومن تناوب على اصدارها وكتابة مقالاتها، وما تعرضت له من ملاحقات وكم صدر بحقها من احكام، كم مرة توقفت ثم استانفت الصدور، وكم انتقلت ملكيتها من يد الى يد، وماذا خرجت من كتاب، وكم اعطت من رجال دولة ومن حكام ومن دبلوماسيين. بحيث يكون العدد الخاص بمئوية الصحيفة او الصحافي كتاب تاريخ كامل يتناول كل ما يتعلق بهما من احداث ومن انجازات، يؤلف مجموعها تاريخ الصحافة والصحافيين، بل تاريخ لبنان الحديث بكل احداثه وصناع  هذه الاحداث.

 

 *

اذا كانت ذكرباتنا الصحافية مع فيليب حتي أغنى من أن تقيم وتضم في مجلة او كتاب، فان مذكراته الشخصية هي بحجم عصر كامل، تشمل كبار العصر، وتتناول مختلف تطلعات وانجازات هذا العصر. حقق فيليب حتي العصر الماضي مشيئته، بانه استطاع ، في مجموعة مؤلفاته، انجاز كتابة تاريخ ستة آلاف سنة من تاريخ لبنان وبلاد المشرق، وترك لجيل الشباب ان يكمل الرسالة. وها هي الرسالة الحتية تواصل تحديث التاريخ في مذكرات سميّه ابن العصر الحديث.   

                        

Comments: 1

Your email address will not be published. Required fields are marked with *

  1. اثبت الزميل الاستاذ جورج طرابلسي انه اقدر من يستطيع إعطاء الاعلام ، وخاصة التوثيقي والتاريخي، حقه الرفيع، وانه هو صحافي ومثقف راق جدا ، كل الشكر والتهنئة، واخلص التمنيات بالنجاح والتوفيق،