البلد… إلى أين؟
حسين سلامة
بعد اربعة ايام على خروج الناس الى الساحات والشوارع والبقاء ليلا ونهارا بصورة نسبية، يجب التوقف للحظة والتدقيق في ما يجري.
لا شك ان لهذا الحراك كلفة غير بسيطة فالمتحركون ليسوا محليين بمعنى ليسوا من المناطق التي تشهد الحراك، وبالتالي ان تامين انتقال الناس يحتاج الى اكلاف وكذلك اطعامهم وتوزيع المياه عليهم، ومن يدفع ثمن الخيم التي تنصب في غير منطقة ومن يدفع كلفة الصوتيات التي تستخدم، ثابتة كانت او متحركة…
ان الذين ينزلون الى الشارع هم، كما يصرحون لمحطات التلفزة فقراء ومعدمون ولم نسمع من احد منهم ما يشي باقتداره على تحمل الأكلاف.
ونحن خبرنا مثل هذه المشاهد عندما خرج علينا فريقا 14 اذار و8 اذار، وكانت تقود تلك التظاهرات شخصيات خبيرة بنقل الناس واطعامهم وتأمين الماء لهم حتى نصب المراحيض الحديثة المخصصة لمثل هذه المناسبات.
وعلمنا في حينه، وبعده، الجهات الخارجية التي كانت تتعهد محتلي الوسط التجاري للمتاجرة بدم الشهيد الرئيس رفيق الحريري .
اليوم من يتعهد الحراك الذي بدأ تحت شعارات استجداء المصاري كما كانوا يطلبون والاكل والطبابة والتعليم…
ثم بدأت تتدحرج الأمور الى شعار: كلن يعني كلن.
وثورة ثورة…واسقاط النظام.
اذا كان المراد السير في الثورة فاننا لا نرى مشروع ثورة. ولا تقوم ثورة ولم تقم ثورة في العالم من دون نظرية ثورية ومن دون قيادة ثورية تحوطها نواة ثورية واعية…
وبذلك يكون التمسك بهذا الطرح دعوة الى اخذ البلد الى الفوضى ومن ثم الى حرب شوارع..وما نسمعه من اندماج طوائفي ومذهبي وديني شيء مهم جدا… ولكننا لم ننسَ شعار الغاء الطائفية من النفوس قبل الغائها من النصوص، فهل الغيت من النفوس بسحر ساحر وفي دقائق وليس في ساعات… وكنا نسمع من المعنيين بالغاء الطائفية من النفوس انه يحتاج ،ربما، الى عقود اذا لم يكن الى اكثر.
واذا كان المراد اسقاط الحكومة، وفقا لما جاء على السنة المتظاهرين على الهواء المفتوح، فهل هناك من يضمن تشكيل حكومة مختلفة عن الحالية؟
ولمن يطالبون بإسقاط العهد اي عهد يطمحون اليه طالما ان ليس لهم اية ارادة في اختيار العهد.
ولمن يطالبون باسقاط النظام واحلال نظام علماني هل يملكون او يرون الية معينة لتحقيق الانتقال الى النظام العلماني.
هذه المطالب كلها رائعة وعظيمة.
ووصف المسؤولين باللصوص والسارقين والمهدرين للمال العام وصف حقيقي والمطالبة بمحاسبتهم سليمة ومطلوبة… ولكن هل لدى احد اي مستند غير ما يتعلق بقضية الـ 11 مليار دولار يمكن الاعتداد به لمحاسبة السارقين للمال العام.
هل من يعرف ان الاموال المنهوبة نهبت باسم القانون تحت باب الهدر الذي ربما يستحيل اثباته؟
السؤال الان: الى اين تذهب هذه التظاهرات بالبلاد.
وهل هي حراك عفوي؟ واذا كان قد بدأ عفويا هل ما زال كذلك؟
ارحموا البلد واهله فما فعلتموه كان عظيما وانجز ما كان شبه مستحيل،لا تضيعوه باخذ البلد الى الخراب.
وارجو الا نكون على ابواب ربيع لبناني فنكون قد وقعنا في ما اوقعوا غيرنا فيه…امامنا ماجرى في سوريا وما جرى ومازال في ليبيا وفي كل الدول التي زارها الخريف العربي…دققوا في الأمر!!
نريد ما تريدون ولكن ليس بالفوضى. ليس بالفوضى تستعاد الدولة…
الفوضى هي المدخل العريض او الأوتوستراد الذي يدخل فيه الخارج على الداخل، وله فيه مآرب كثيرة ومن خلاله يكمل الأهداف التي سعى اليها منذ بدأ يمارس الضغوط والعقوبات على البلد، طلبا لرأس المقاومة الذي لم يحصل عليه بالحرب المباشرة على لبنان وغير المباشرة التي شهدناها حربا كونية على سوريا وضغوطا وعقوبات مالية واقتصادية قاسية على ايران.
ارحموا لبنان يرحمكم الله
