ميشال إده: شهيد وشهادة

Views: 642

سهيل مطر

ميشال إده لا يحتاج إلى لقب، ولا إلى تعريف، ولا إلى ذكر مهمات ومناصب.

إنّه ميشال إده فحسب.

والغريب، أنّك مهما كنت موضوعيًا وحياديًا، لا تستطيع أن تتحدّث عنه إلاّ بحبّ.

كل لغة غير لغة القلب، لا تليق برجل الأدمغة الواسعة والصعبة.

كل لغة لا تغتسل بندى الحبّ، هي لغة مستعارة، مزيّفة ذليلة، لا تتناغم مع هذا المتوَّج أميرًا في الوطنية ورائدًا في فن السياسة واتساع المعرفة والثقافة.

ما كان يومًا زعيمًا، ولكنّه، كان، ولا يزال، في كل يوم، عظيمًا.

عظيمًا في بيته، في مجتمعه، في عالم المحاماة، في عالم المال والاقتصاد، في مارونيته الأصيلة، في وطنيته الصافية، في تطلّعاته إلى لبنان – الانتشار، وفي عالميته.

في زمن العنف والحروب والقتل والحقد والفساد، نلتفت إلى ميشال إده لنقول له: في الليلة الظلماء، يُفتقد البدرُ…

هل غادرتنا غاضبًا؟ أم موجوعًا؟ أم مؤمنًا بأن الغضب الساطع آتٍ…

أين أنت؟ نحن بحاجة إليك لأنّك لست بحاجة لأحد، وهذه هي القوّة والعظمة.

طوال عمره، سعت إليه المناصب، ولم يسعَ إليها، اسمه يتردّد في كل حين: نائبًا ووزيرًا ورئيسًا، ولكن…

من زمن فؤاد شهاب وشارل حلو، كان هو المصطفى والمختار، واستمرّ حتّى اليوم.

كثيرون ممّن يمتهنون السياسة هم في غياب، أما هو فحضور ساطع، في كل حين. معه نطرح السؤال: ما هي السياسة؟

الجواب بديهي بسيط ومن دون فلسفة: هي في خدمة الناس وإنماء الوطن وتأمين رفاهية أبنائه وحريّة أرضه ومجموعاته البشرية.

فمن، من أهل السياسة يمارس هذا التعريف في عمله السياسي؟ أجل، ميشال إده هو هذا “السياسي” بامتياز: خدم المجتمع، دعا إلى الانفتاح والتعاون، شارك الناس همومهم وطموحاتهم، قدم إنماء الوطن على إنماء جيوب أزلامه، وسعى في كل حين إلى بناء وطن-الثقافة والحرية والجمال.

ورغم أنه آمن بالانتشار اللبناني في العالم، فإنه ما حاول يومًا أن يهجر لبنان أو أن يستريح في أوطان أكثر حضارة وأمانًا.

منذ طفولته، ما عرف البطالة ولا عاش الباطل، بل مارس البطولة، شجاعة وجرأة وكلمة حادّة.

هو الرجل المؤمن بأن “اللا” لا، وأن النعم “نعم”. وكم نحن بحاجة اليوم، واليوم بالذات، إلى هذه “اللا” الساطعة، يقذفها ميشال إده في وجه مَن يشوهون صورة لبنان-الأدب والفكر والقانون.

هو الرجل الصعب في زمن الرياء والمداهنة والنفاق. وتؤخذ عليه هذه الصعوبة، فإن انتقُد بها، كانت وسامًا، على صدره. والرجل الصعب كالمرأة الصعبة، أهم ما فيها الشرف، وأعزّ ما عندها التمنّع والرفض.

ميشال إده

أيها الصديق الكبير، أيها الراقي والرائق والرقيق،

أيها السيّد،

ليس بسيّد من يسود على الناس، بل السيد هو من ينتصر على نفسه، يطوّعها، وينتصر على شهواتها.

إغراءات كثيرة، ولكنك كنت كبيرًا.

أنت، بما أعرفه، وبما أراه، وبما أشعر به اليوم، تحمل ثلاث صفات لهذه السيادة.

-أنت السيّد الجميل، وما إشراقة الوجه إلا انعكاس لإشراقة الروح.

-أنت السيّد النبيل الذي يستطيع أن يرفع الجبين، بكبر وإباء، وأن يقول: هذا ما أعطاني الربّ، ولن أشوّه أو أفرّط.

-أنت السيّدالكريم الراقي الذي، بالرقّة والدقّة، ملك قلوب من عرفه ومن أخاه، ومن كان له معه علاقة أو مرور طريق.

فيا سيدي

يقول الشاعر:

ملأى السنابل تنحني بتواضع

والفارغات رؤوسهن شوامخ

وكم نحن بحاجة إلى أن تعيرنا بعض تواضعك، وأن تزرع في قلوبنا بعض الوداعة التي أزهرت في صدرك.

ويا أيها الأمير، قداسة وإيمانًا ووطنية، وما سمعتك يومًا تتحدث أو تصلّي أو توجّه، إلا وسمعت صوت يسوع، في بساطته وصفائه وطيبته، يقول: طوبى لأنقياء القلوب…

ويا كبير النفس، ليكن رحيلك، اليوم، شهادة من أجل الوطن وفداء لشعبه النابض بالحياة.

أنت المختلف في زمن التخلّف، وأنت الشهيد في زمن الشهادات المزوّرة.

ويا أكبر الأصدقاء

هنيئًا لنا بك… والله معك.

***

(*) النهار 5 تشرين الثاني 2019.

 

 

 

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *