“الذّئاب تُصلّي” لالياس الرحباني: كثير من الألم

Views: 64

د. ربيعة أبي فاضل

استعرتُ الكلمتين: “الغربة القاتلة”، من الموسيقيّ، الشّاعر، الإنسان الإنسان، الياس الرّحباني لأصفَ نمطَ حضوره مُبدعًا، في عالمنا هذا. كتابُه “الذّئاب تُصلّي” يَحملُ الكثيرَ من الألم، بإزاءِ تجربةٍ حارّة، وحالاتٍ موجعة، عاشت فيه، ونَمت، وتهيّبت، في ظلِّ فراغٍ مجهول يحوط بالعالم، والبقاء في وحدةٍ ووحشةٍ قلَّ نظيرُهما. هو الفنّان المختلف، الرّاقي، وراعي الجمال، لا يحيا هنا، من دون قلق، لكن، من دونِ أحلام، أيضًا!

في “رسالة مؤمن إلى الله” أحببتُه شاعرًا، يجاورُ الله، ومؤمنًا تهزّه الحَيرة، ويحاول أن يجدَ نافذة على المُغيَّبات. صلّى، ورتّل، وفتّش، وأحبّ، وأعطى الفقير، وغفرَ للقتَلَة، واستمرَّت الوحدة تأكله، ولم يرَ إلهَه، لكونه بحثَ عنه في الخارج، وليس في داخله هو، وفي حضارة لا تقدرُ الموسيقى لغة الخلق، وفنّ الرّوح الصّافي. وإخال الرّحباني، كما أهلُه من عاصي إلى الذين لم يولدوا بعد، يُمثّلون هذه القافلة المختارة من عابري الأرض، شأن موزار وشوبان وبتهوفن وباخ…

وهؤلاء المختارون يتشوّفون لنِسامٍ سماويّة، وفنونُهم سماء… ويتعطّشون إلى الصّفاء، وقلوبهم بيت القدّوس، ويتأفّفون تحت الشمس، وَهُم دفءُ العالم، ورؤى المستقبل، ويُصلَبون وهم ساهرون، لا يتركون فضاءَهم قبلَ أن يروه عذبًا، ومطمئنًّا، ومنتشيًا. وبكلمةٍ تُتئمُ كلمات: أعادَ الرّحابنة بناءَ لبنان، بحجارة البهاء والرّجاء، بعد أن دمّره أبناء إبليس، وهُم أدخَلوا لبنان التاريخ والفردوس. في حين أمعَن الآخرون في قهره، وفي زجّه بجبِّ الوحوش!

الياس الرّحباني لا تُبالِ بالجسد المُتعَب، ولا تسأل إلى أين؟ فالموسيقيُّ المنطلق من جذور عميقة، ومن نور المعرفة، والعرفان، يحتاج إليه الكون في كلِّ زمانٍ ومكان. أنتَ وموزار لا يُحدِّدُ هُويّتكما جسدٌ، وَعُمْرٌ، ولا تؤثّرُ لُعبةُ الأشرار في تشويه رجالات الطّفولة الدّائمة. أوَلَمْ تقل إنّ عاصي ومنصور حوّلا الرّهبة والوحشةَ إلى فرح وأحلام، وهدوءٍ في النفس، وشعرٍ، وقمرٍ يسهرُ مع العشّاق؟ فأنتم وفرنسيس الأسيزي من قماشة واحدة، هو أخوه القمر وأخته الشّمس، وأنتم أبناء الحياة والنّور!

***

(*) النهار 25 تشرين الثاني 2019

 

(https://expo.aspe.org/)

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *