ثورة التحرّر من السوبر تخلّف ثورة السلام

Views: 552

حسن عجمي 

الثورة الحقيقية هي ثورة التحرّر من السوبر تخلّف. أما السوبر تخلّف فهو تطوير التخلّف من خلال تقديم العِلم على أنه جهل وتقديم الجهل على أنه عِلم ما يُؤسِّس لسيطرة الأنظمة الديكتاتورية ويدعم بقاءها. لذلك الثورة الحقة هي التي تحرِّرنا من السوبر تخلّف والديكتاتورية معاً.

تُنتِج الأنظمةُ الديكتاتورية السوبر تخلّف لكي تبقى وتنتصر فتبني مؤسسات اجتماعية واقتصادية وثقافية تُطوِّر التخلّف وتُقدِّم العِلم على أنه جهل والجهل على أنه عِلم. مثل ذلك ترسيخ فكرة أنَّ الشعب غير واع ٍ بما يكفي لكي يتحوّل النظام إلى ديمقراطي وينتخب الأفضل للحُكم. ويتمّ تقديم هذه الفكرة على أنها عِلم أساسه أنَّ فقط الشعوب الواعية قادرة على انتخاب الأفضل فتحقيق الديمقراطية والمصلحة العامة ومصلحة البلاد. لكن هذه ليست فكرة علمية بل هي جهل لأنَّ الديمقراطية قائمة في الأساس على التسليم العقلاني بأنه لا يوجد فرد أو مواطن أكثر وعياً من فرد أو مواطن آخر أو أفضل منه ولذا كل المواطنين متساوون ما يؤهِّلهم جميعاً لانتخاب ممثليهم ورؤسائهم وحكوماتهم. 

نشر الجهل والتجهيل

هذا مثلٌ على تقديم الجهل على أنه عِلم وكيفية استخدام ذلك لتدعيم سلطة النظام الديكتاتوري ما يؤكِّد على أنَّ الأنظمة الديكتاتورية لا تنتج التخلّف فقط بل تطوِّره من خلال نشر الجهل والتجهيل وتقديم الجهل على أنه عِلم وتقديم العِلم على أنه جهل. فالعِلم القائم على المساواة بين الناس يُقدَّم في النظام الديكتاتوري على أنه جهل بما أنَّ في الأنظمة الديكتاتورية الأفضلية للأكثر وعياً الذي يُحدِّده الطاغية دون سواه رغم أنه علمياً لا يوجد مَن هو أكثر وعياً لأنَّ كل البشر متساوون وإلا خسروا إنسانيتهم التي يمتلكونها بالضرورة. 

هكذا تفضيل وعي على آخر أو عقيدة على أخرى أو جماعة على أخرى أساس قيام النظام الديكتاتوري وهذا ما نجيده في عالَمنا العربي بمشرقه ومغربه لأننا نرفض الآخر المختلف عنا فكرياً وعقائدياً وسلوكياً ما حَتَّمَ نشوء سلطة الطاغية كحلّ جذري لمنع الاقتتال فيما بيننا. أما ماهية الديمقراطية وسيادة الحقوق الإنسانية فكامنة في مبدأ عدم التفضيل كتفضيل أيديولوجيا أو عقيدة على أخرى أو تفضيل سلوك على آخر. لا حرية ولا حقوق إنسانية مع التفضيل لأنه ينفي ويلغي المساواة بين السلوكيات المتنوّعة والمعتقدات المختلفة الواقعية منها والممكنة التي ينتجها أو قد ينتجها الإنسان ويغتال مبدأ أنَّ كل السلوكيات والمعتقدات متساوية في مقبوليتها وقيمتها رغم اختلافها. وبِلا هذا المبدأ الإنسانوي يستحيل أن توجد حرية وأن تُحترَم الحقوق الإنسانية.

قبول الآخر ونشوء الديمقراطية

بما أنَّ النظام الديكتاتوري يصوغ التخلّف ويُطوِّره، إذن الحلّ الوحيد للتحرّر من السوبر تخلّف كامن في الخلاص من الأنظمة الديكتاتورية. والخطوة الأولى نحو الخلاص من السوبر تخلّف والانتقال من نظام ديكتاتوري إلى ديمقراطي كامنة في قبول العِلم والمشاركة في بنائه. وبذلك التحوّل إلى الديمقراطية لا يحدث سوى عن طريق ثورات سلمية كثورة إنتاج العلوم فالسلام سبيل التطوّر وتحقيق الديمقراطيات وسبيل احترام الحقوق الإنسانية. من هنا ثورة التحرّر من السوبر تخلّف والأنظمة الديكتاتورية هي ثورة السلام.

العِلم خالٍ من اليقينيات وبذلك بقبوله والمشاركة في إنتاجه نتحرّر من تعصبنا لمعتقدات معيّنة دون أخرى ما يؤدي إلى قبول الآخر فنشوء الديمقراطية الحقيقية بحقوقها الإنسانية العالمية فالديمقراطية أساسها قبول الآخر فالمساواة بين الجميع. فلا ديمقراطية ولا حقوق إنسانية (كحق كل فرد في أن يكون حُرّاً فيما يعتقد ويتصرّف) بلا علوم وتفكير علمي وبلا مشاركة في بناء العلوم لأنَّ العِلم قائم على رفض اليقينيات المُؤسِّسة للأنظمة الديكتاتورية من جراء رفض مالك اليقينيات للآخرين. لا يقينيات في العِلم فالنظريات العلمية تُستبدَل بشكل مستمر بنظريات علمية أخرى كاستبدال نظرية النسبية لأينشتاين بنظرية نيوتن العلمية. بذلك المجتمع القائم على اليقينيات الرافضة بطبيعتها للمعتقدات المختلفة عنها هو مجتمع غير عِلمي وغير ديمقراطي. فلا عِلم بلا ديمقراطية تماماً كما لا ديمقراطية بلا عِلم.

السوبر تخلّف يُؤسِّس للفِتَن والصراعات والحروب لأنه يعتمد على رفض العِلم ما يُحتِّم التعصب لليقينيات فرفض الآخر. لذلك الأنظمة الديكتاتورية المُنتِجة للسوبر تخلّف مصدر الفِتَن والحروب. لا سلام مع الطاغية ولا حياة مع الطغاة. 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *