مؤتمر في اليسوعية عن استقلال القضاء وكلمات تشدّد على فصل السلطات

Views: 1061

نظمت كلية الحقوق والعلوم السياسية في جامعة القديس يوسف مؤتمرا بعنوان “أي استقلال للقضاء؟ تجارب دولية ولبنانية”، في حرم العلوم الاجتماعية، هوفلان، في حضور حشد من المعنيين بالملف القضائي، من قضاة حاليين وسابقين ووزراء عدل سابقين وأكاديميين لبنانيين وأجانب ونقابيين وحقوقيين.

قد شهد المؤتمر أول محاضرة عامة لكل من نقيب المحامين الجديد في بيروت ملحم خلف، والرئيس الاعلى لمحكمة التمييز ورئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود.

غناجة

واشارت عميدة كلية الحقوق البروفسورة لينا غناجة خلال افتتاح المؤتمر إلى أن “المطالبة بالعدالة المستقلة أصبحت على كل شفة ولسان، كما انها تثير العديد من المناقشات في جميع أنحاء البلاد. هذا الاهتمام المفاجئ بالجهاز القضائي لافت للنظر بكل المقاييس، ويعكس إدراكا مفيدا بأن استقلال العدالة هو حجر الزاوية لأي تفكير في سيادة القانون، لأنه يضمن حياد القاضي وبالتالي المساواة بين الجميع أمام المحاكم”.

وقالت: “ان المعركة من أجل استقلال العدالة قد بدأت وستكون طويلة ومؤلمة، ويجب عليها أن تتجنب خطر اختزال المؤسسة القضائية، الذي من شأنه أن يقلل من دور القضاة المستقلين ومكانهم داخل المؤسسة نفسها. كما يجب عليها الهروب من إغراء العدالة الشعبوية، التي تحل ثقافة الشك المعمم محل ثقافة الإفلات من العقاب المتأصلة في المشهد اللبناني. أخيرا، يجب دعم مسألة استقلال القضاء بتفكير أكاديمي يسلط الضوء على وسائل ضمان فعاليته”.

دكاش

من جهته، اعتبر رئيس الجامعة البروفسور سليم دكاش اليسوعي أنه “من الهام، خصوصا في بلد مثل لبنان، تتعدد فيه الطوائف والتيارات وبالتالي تتعدد فيه منابع التأثير والتدخلات، أن يتم حصر الصلاحيات المتعلقة بموقع القاضي المهني بالسلطة المتمثلة بمجلس القضاء الأعلى. وكذلك ينبغي إيجاد الضوابط لأجل حماية القاضي في علاقته بالسلطة السياسية بحيث لا يصبح ألعوبة تتقاذفها الأمواج، وكذلك نرجو تفعيل هيئة التفتيش القضائي وجعلها الأداة الصلبة للدفاع عن القضاء والقضاة. وآمل أن يكون الوجه الجديد لسلطة القضاء في لبنان نموذجا حقيقيا لما لا بد أن تكون عليه الإدارة اللبنانية في خدمة المواطن، مستقلة عن السياسيين، وليس كما هي حالها اليوم تابعة ورهينة، مما يزيد الفساد فسادا والانحلال انحلالا”.

واختتم اليوم الأول من المؤتمر بمحاضرة للنقيب خلف تساءل فيها عن مستوى فصل السلطات داخل الدولة، واعتبر أن “هذا السؤال يطرح لأن هناك معضلة بسبب غموض مفاهيم يجب أن تتوضح”. وأشار إلى “أن حقوق الناس هي اولوية لا يمكن أن يتوانى أحد عن حمايتها. بموازاتها نحن ضنينون بقيام الدولة، أي لسنا في وارد التطاول عليها وعلى مؤسساتها. ما نعيشه اليوم هو مخالفة واضحة للدستور عبر عدم احترام مبدأ فصل السلطات. لذلك من المجدي المطالبة بضخ روح الديموقراطية في عمل المؤسسات عبر تشكيل حكومة لا تكون صورة مصغرة عن المجلس النيابي، ولا تخضع لقاعدة “تكبيل” أو ما يعرف بالثلث الضامن، الذي يعطل امكانية اعطاء رؤى استراتيجية. دون هذه الإصلاحات سنظل نرى تغييرا للوجوه فقط”.

واكد خلف “ان حجر زاوية بنيان الأوطان هو إقامة العدالة عبر سلطة قضائية مستقلة وفاعلة تحاسب وتحارب الفساد. يجب أن ترفع السلطة السياسية يدها عن القضاء، وأن يرفع القضاة يدهم بعضهم عن بعض، وأن ترفع يد صداقات المحامين عن اصدقائهم القضاة. ما نطمح اليه ايضا في هذا الإطار أن يكون هنالك قانون جديد يؤكد على قيام السلطة القضائية ولنقابة المحامين الدور الأول في المطالبة بذلك”.

عبود

وفي جلسة إفتتاح اليوم الثاني من المؤتمر، اعتبر القاضي سهيل عبود أن “كلمات شعب وقانون وقضاء، إن تقاطعت إيجابا نصبح امام حلم بسلطة قضائية مستقلة، أما إذا تباعدت وتجافت فنكون امام استحالة واقعية لتحقيق هذا الحلم، فأين نحن من هذين الإحتمالين؟ إن الجواب هو ما تضمنه الكتاب الخاص الذي وجهته الى قاضيات وقضاة لبنان وفيه رؤيتي للقضاء المستقل، وقد ورد فيه أنه ليس بخاف على احد ان القضاء يمر بازمة حقيقية. لذلك خطة النهوض والتطوير أساسها اقتناع كل قاض بان السلطة القضائية هي إحدى السلطات الدستورية الثلاث وبانه ركن من اركان هذه السلطة، وبأننا في مسيرة اصلاح قضائي ووطني لواقع تستر بفساد اجتماعي وبفساد بنيوي وباستقلالية وهيبة منقوصتين وبمعنويات مثقلة وبماديات غير كافية، ما يفترض تعاونا من قبل نقابتي المحامين، بمواكبة اعلامية بناءة وبتأييد من المجتمع المدني”.

وتابع عبود: “كما على كل قاض ان يقتنع بأن دوره الجوهري ومهامه الجسام في المجتمع، تتطلب منه شجاعة وتواضعا واخلاقيات سامية وجهودا دؤوبة وتطويرا ذاتيا وتضحية متواصلة، وبأن حريته واستقلاله نابعتان من ذاته، وبأن أداءه موجباته القضائية سيتلاقى مع إعلاء مبدأ الثواب والعقاب، ما يشكل اساسا لمناقلات قضائية تعتمد معايير علمية وموضوعية. كما عليه أن يقتنع بأن أزمة الثقة بالقضاء تستلزم خطوات شفافة ومبادرات استثنائية، أولها المبادرة الى رفع السرية المصرفية عن حساباته وحسابات عائلته”.

وأنهى عبود كلمته بوعدين “أولهما، بأن استقلالية قضاة أفراد ستتحول إلى استقلالية سلطة قضائية، وثانيهما، بأن المناقلات القضائية لن ترتكز على شرعية قرار التعيين والنقل فحسب، بل على مشروعية اكتسبها وسيكتسبها كل قاض من خلال ثقة المواطنين والمتقاضين”.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *