الشاعر وألوان الرجاء

Views: 783

سمر الخوري

على مشارف الحياة رقصات من الماضي السحيق العاري كأنغام الوفاء، تتربع حلقات ذكريات لا تشبه إلا ذاتها. حلقات ألوان مائية إلى يمين الصورة، تعرش على شجرة عارية كالمعرفة، سامقة كالحنين. هي أشبه بشرايين البوح . تغوص جذورها في خضرة وحي بيلساني الخطوط، يمتد في نسغ الشجرة مادة شفافة العطر، تتصل بدائرة شفافة تغوص في الما بعد، وتشكل معها كوكبا يموج ببوح متصل بشجرة المعرفة دائريا، وبوجه ذي نظرات مصلية متألملة، أفقيا، تحلم بالفردوس المفقود.

والدائرة تتسع بين الإنسان المصلي، يداه مضمومتان على ذقنه، وشجرة الحقيقة مختصرة دائرة يمتزج فيها الماء والضباب والسراب، وأفنان الشجرة المبتهلة الشامخة نحو عالم النور الأسمى. وفي أعلى الصورة عين محدقة شاخصة نحو فجر يولد من مجهول .

تحدق أكثر في الفسحة السماوية بين الشجرة والإنسان وإذا بها تصبح وجها لإنسان نائم . عينه اليسرى مفتوحة نحو الله، والعين اليمنى تتسع لتصبح كوكبا يحلم بفجر العودة إلى الجنان.. وفي أعلى الرأس النائم خضرة تقابل عيني الرجل، إلى يسار اللوحة، وتخترق قلبه ليصبح اللون الأخضر أكثر عمقا وشدة، وصولا إلى جسد عار منطرح بشكل مائل باتجاه الشجرة . لعله جسد الشهوة البشرية التي سلاها الرجل وهو يحلم بالجنة وحوريات الرجاء.

إزاء استغراق الرجل والمشاهد في التأمل المشبع بالحيرة والسكون، يظهر وجه جديد، داخل الوجه الأول في الفسحة الوسطية، في اللوحة. إنه وجه أنثى تحدق إلى المشاهد ، وإلى  الرجل بشغف وحنان، في آن.

الوجه الأول وجه طفلة حالمة بالنور. والوجه الثاني أم، يفوح من نظراتها عبق البخور. والوجهان يتكاملان ليشكلا المسافة بين أحلام الفنان وإبداعات الخيال/الحلم.

تنوع الألوان في اللوحة وشفافيتها رقص أثيري لأفكار يسيطر عليها هاجس الصمت الثرثار، السجين في مخيلة فنانة أبت الا اختراق المكان باللامكان. كما أن اللوحة خارجة على الزمان، ومبدأ الأضواء والظلال. هي اختصار الوجود بالأنثى. وأنثى الفنانة ليست حواء القديمة أو الجديدة. إنها من نسج خيال إنسان مبدع يريد أن يقول: الدنيا أنثى تحرر الإنسان من جسدانيته وتوصله ببراءتها إلى عالم السماء، بعيدا من عالم الاشتهاء  الذي يدوسه في اسفل اللوحة كما الحية الأزلية .

الوجه الطفولي، في ملامحه العامة، هو وجه الابنة الباسمة، التي تحتضن وجه الأم . وفي كلا الوجهين استشراف عبور إلى ألوان  الرجاء السرمدية الخطوط والقسمات.

اللوحة بألوان صمتها قصيدة شاعرة تتوق الى الامحاء في عاطفة بنوية وزنها المحبة ، رويها الشوق، وقافيتها الرجاء باللقاء، في السماء.

باسمة بطولي، بطلة أنت في اختراع اللوحة القصيدة، وفي اختراق الموت بالوفاء. بوحك الحر عشقناه. والعشق صوفي بلا مقامات . مقامه الوحيد قصيدة بالألوان، لوحة بالمشاعر، تعلن أن الوجود ، في جوهره، ليس أكثر من إبداع شاعر، يدعونه الله.

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *