الحلقة الثانية والثلاثون من رواية “بَحر” لـ كابي دعبول
*”للصخور أسماء في الضيعة التي أبصرت فيها النور” (أمين معلوف-كتاب “صخرة طانيوس”)
يجلس حنا على صخرته المرتفعة فوق مياه البحر. يتأمّل الشاطئ الصخري وتراكض الأمواج باتجاه الشاطئ. يفرح، يحزن، يبتسم، يبكي، ناظرًا الى الأفق البعيد، يشكو همومه الى البحر، طالبًا منه الإتيان بأمل جديد يطفو على أمواجه المتراكضة نحوه. حتى بات لحنا مع صخرته عشرة وطول رفقة أمّنتا له ملاذًا آمنًا لمراجعة الذات والتأمّل. إن أحداث هذه الرواية وشخصياتها من نسج الخيال حتى ولو تشابهت الأماكن والأسماء، غير أن صخرة حنا تبقى الاستعارة الحقيقية الوحيدة الراسخة في هذه الرواية، إذ كم من أمكنة تركنا فيها شيئًا من ذاتنا، مهما ابتعدنا عنها تبقى الملاذ الوحيد لذكرياتنا بحلوها ومرّها…
كابي
(٣٢)
جلس حنا على صخرته عند الشاطئ يخبر عليًا عن صديقه الأول: بحر القرية. وراح يدلّه على الصخورالأخرى المرتفعة فوق صخور الشاطئ ويخبره باسم كلّ منها. للصخور أسماء في شاطئ القرية متوارثة عبر الاجيال. ثمّ نظر الى عليّ وقال له: وماذا الآن؟
– ماذا تقصد يا حنا؟
– نشكر الله على كلّ شيء. لقد تعلّم بحر في مدرسة خاصة وبات يتقن لغتين أجنبيتين وهو يتحضّرالآن لدخول الجامعة بعد نيله شهادة البكالوريا العام المقبل.
– ولِمَ القلق؟
– لقد أدركتُ سنّ التقاعد يا علي. ولا يزال الطريق طويلاً أمام بحر.
-هل بحثت هذا الموضوع مع الإدارة؟
-أنت تعرف أن القانون يوجب التقاعد في سنّ معينة. الأمر يعود الى الإدارة في ما يتعلّق بالعمل بعدسن التقاعد.
-“بَعدَك شبّ يا حنا”.
– ولكن ما العمل؟
– أنت قمتَ بواجبك على أكمل وجه. تعبتَ وتغرّبت وعشت بعيدًا عن عائلتك لتؤمّن لبحر الدراسة فيمدرسة خاصة كما قلت لي. دعه يتحمّل مسؤولية الحياة يا حنا، لا تتمسك بوحيدك وتحبسه فيعواطفك وأفكارك وطموحاتِك أنت. دَعه يختار يا حنا.
– أنا لم أتدّخل في اختيار الاختصاص الجامعي الذي اختاره بحر. كل ما في الأمر أنني لم أستوعبمسألة ذهابه الى العاصمة. أين سيسكن وكيف سيتدبّر أمره؟
– قبل أن تخوض معه أيّ نقاش عليك حسم موضوع العمل بعد بلوغ سن التقاعد مع إدارة المطبعة. لكي يُبنى على الشيء مقتضاه.
– هذا ما سيحصل.
(يتبع غدًا)
***
*إن أحداث هذه الرواية وشخصياتها من نسج الخيال حتى ولو تشابهت الأماكن والأسماء.
