انتفاضة 17 تشرين الأول 2019   

Views: 1311

د. شبيب دياب 

   فوجئ المشتغلون بعلم الاجتماع بالاتفاضة التي بدأت في 17 تشرين الأول من هذا العام، كما فوجئوا بالربيع العربي والانتفاضات عام 2013 في كل من مصر وتونس، اليمن والبحرين، ثم سوريا، حتى ان بعضهم اعتذر لعدم تنبؤه بهذه الثورات وعاد ليتفحص مناهجه وادواته المفهومية في قراءة الواقع وإعادة النظر فيها.

ولكل ظاهرة سواء اكانت حراكا ام ثورة ام انتفاضة او هبة شعبية لابد ان يكون لها مسبباتها ومقدماتها، كما لابد من متابعة العوامل المؤثرة في مسارها سواء اكانت هذه العوامل داخلية ام خارجية.

فكيف كان المشهد قبل انتفاضة او” ثورة 17 تشرين اول” كما ارتأى ان يسميها المنتفضون.

المشهد قبل الانتفاضة:

سياسيا:

– نظام سياسي مقفل غير قابل بلاختراق ويكرس الوراثة السياسية .

– تجاذبات وتنازع بين أطراف السلطة على النفوذ في الحكم وتقاسم المغانم.

– طبقة سياسية تتلقى الدعم الخارجي وتتوزع ولاءاتها تبعا لهذا الدعم، وتنخرط   بأشكال مختلفة في النزاعات الاقليمية.

اقتصاديا:

–   تراجع النمو الاقتصادي في هذه العشرية الى الصفر وخلل كبير بالميزان التجاري. 

– ضرب القطاعات المنتجة للسلع في اقتصاد احادي خدماتي عماده القطاع المصرفي.

– تراجع القدرة الشرائية للمواطنين، وخيبات امل وقلق على المستقبل عند شرائح هامة من المجتمع.

– ارتفاع معدلات البطالة خاصة بين الشباب الجامعي وانسداد افاق المستقبل .

اجتماعيا:

– غياب المساءلة في قضايا الفساد والهدر وسرقة المال العام وفقدان الأمان الاجتماعي (امتناع وزراء وموظفين كبار من المثول امام القضاء

–  انتشار الامراض بسبب التلوث البيئي

– مظاهر غنى وبذخ عند أبناء الطبقة الحاكمة الى جانب مظاهر فقر في الاحياء الشعبية وشعور بالحرمان عند ابناء الطبقة الوسطى.

–  احتجاجات مطلبية شبه متواصلة لفئات اجتماعية ومهنية مختلفة على مدى السنوات السابقة. (قطاع التعليم وعل كافة مستوياته، القضاة، المتقاعدون الدفاع المدني، المتبارين في مجلس الخدمة المدنية، العاملين في المستشفيات الحكومية. الخ.)

–  نقص في الخبز والمحروقات في البلاد قبيل الانتفاضة.

– محاولة حل الازمة الاقتصادية على حساب ذوي الدخل المحدود بفرض ضرائب ورسوم إضافية.

– بشّر المسؤولون بأزمة اقتصادية خطيرة مما رفع منسوب القلق عند الناس.

 القشة التي قصمت ظهر البعير:

الرسوم على الواتس اب

– بدأ التحرك بالاحتجاج على الضرائب والرسوم المقترحة، ليصبح حربا على الفساد والهدر وسرقة الأموال العامة.

– ظهر الشباب كفاعل اجتماعي في التغيير: من المستوى التعليمي الجامعي. مشاركة واسعة للإناث، وخاصة الجامعيات. مع فروقات تبعا لجغرافية الحراك.

– استجابة من قبل الطبقة الوسطى وانخراط اقل للفئات الشعبية الدنيا في الحراك.

– تم احتلال الفضاء العام كالساحات والطرقات بالشرعية الشعبية.

–  ” تبنت” أحزاب السلطة كل المطالب واعتبرتها مطالب محقة، واعتراف بوجود هدر وفساد ومال منهوب.

وكانت مطالب الحراك وفق خارطة الطريق الآتية:

– استقالة الحكومة الحالية

– تشكيل حكومة جديدة من خارج الطبقة الحاكمة بصلاحيات استثنائية،

–  وضع قانون انتخابي جديد،

– اجراءانتخابات نيابية جديدة

– انتخاب رئيس جمهورية من جديد.

 الازمة في ثلاث قراءات

أولا لا بد من القول انه في ظروف أي حراك تكثر التدخلات لاستغلاله من قبل كل من يمكنه ان يحقق مكسبا سياسيا او معنويا او ماديا او امنيا وخاصة اجهزة المخابرات، ومن لم يتدخل يتربص ليتحين الفرصة للتدخل.

1-    قراءة الازمة بمنظار دولي:  اي انها  صراع اقليمي او دولي بين اطراف إقليمية بأدواته اللبنانية، أي انها ترجمة للنزاعات الدولية في المختبر اللبناني  

2-   قراءة الازمة ببعدها السياسي المحلي الذي يرى فيها صراعا على النفوذ بين أطراف السلطة وتحقيق المكاسب، والذي يتمثل بشكل الحكومة العتيدة ورئيسها وحصص الأطراف فيها، واضافة الى حصة صغيرة للحراك.

3-   قراءة الازمة باعتبارها نتجت عن مشكلة اقتصادية اجتماعية واحوال معيشة متردية، ببعدها السياسي المتمثل بالفساد ونظام الزبائنية.

القراءات المختلفة هذه يترتب عليها استنتاجات مختلفة تبدأ بالمؤامرة الخارجية وصولا الى الصراع الطبقي. وهنالك من يرى تداخلا بين المستويات   والقراءات الثلاث.

الشعارات والرموز:

– الشعارات التي رفعها الحراك تستقطب وتلقى آذانا صاغية: ضد الفساد وهدر المال العام.. استرجاع المال المنهوب. الخ لذا الاستجابة الشعبية كانت عامة وعفوية.

– القبضة العملاقة  للثورة في ساحة الشهداء وهي قبضة الثورة الصربية والثورات التي تلتها في جيورجيا في مصر وتونس …

– سلمية الثورة … توزيع الورد على الجنود …الاغاني …اشراك الفنانين.

–  تسمية الثورة: ثورة 17اكتوبر ت1 بعد ثورة الأرز الياسمين.. الورد..

–  السلسلة البشرية من شمال لبنان الى جنوبه رمزا لوحدة الشعب

–   البوسطة من الشمال الى الجنوب رمزا لوحدة الجغرافيا، توقفت في صيدا خلافا لما كان مخططا لها.

–  تمجيد الثورة التي تجاوزت الطائفية والمناطقية ولكن هذا لم يكن دقيقا عند اللحظات المفصلية.

–  النصر الجزئي والاحتفال باستقالة الحكومة واحتفال بفوز نقيب المحامين المدعوم من الحراك.

 في الاستهداف:

      تعددت وتنوعت الفئات الاجتماعية التي يتوجه اليها للحراك؛ الراي العام أولا ، ثم الشباب.. الطلاب … الأمهات والجنسية، حقوق المرأة…الخ..

 كما تتعدد المواقع المكانية التي يستهدفها الحراك برمزيتها: المؤسسات الحكومية، المصارف، بيوت السياسيين. شركة الكهرباء، اوجيرو، مصادر التلوث. سد بسري ..الخ

المقدس والمدنس:

– الشتائم ووظيفتها  في الابهار وكسر المحرمات اذ تم استهداف قادة أحزاب السلطة، والنيل من “قدسيتهم” قابلها عنف ومحاولات نيل من “قدسية” الانتفاضة.

–  قدسية الدم والشهادة: بات للثورة شهداؤها ونشرت صورهم في الساحات.

–  الساحات العامة باتت رمزا للسلطة الشعبية واستعادتها كحيز عام بعد خصخصته او استئثار فئة به.

–  رموز الفساد: بداية كانت أسماء السياسيين، وتدريجيا أصبحت مؤسسات.. المؤسسات الحكومية، المصرفية.. المرفأ.. المصارف. منازل السياسيين. الخ. وهذا ما يعتبره البعض خطوة ايجابية بالانتقال من مخاطبة المشاعر الى مخاطبة العقول.

 غياب التفاوض:

  رفض المنتفضون التفاوض مع السلطة، لأسباب متعددة. وهذه مسألة إشكالية، لها أنصارها ولها معارضوها ضمن الحراك نفسه وبين المتابعين، ولكل مخاوفه وحججه التي يقدمها؛ انها مسالة لا تزال تحت الاختبار.

علامات إيجابية مضيئة في الحراك:

–   الكثير من الحماس عند الشباب ومشاعر نبيلة وبكثير من التسامي والاستعداد للتضحية بإخلاص نادر للانتفاضة واهدافها.

–  العلم اللبناني وحده في الحراك

– سلمية الحراك

– نبذ الطائفية والتجاوب الشعبي العابر للطوائف والمناطق.

–  تجرؤ على بعض المحظورات وكسر جدار الخوف.

–  تحييد الجيش والقوى الأمنية

–  أجمل المظاهرات تلك التي كانت في حرم الجامعة اللبنانية، وحراك الطلاب في كل لبنان لثلاثة أيام متتالية.

–  فوز المحامي ملحم خلف بنقابة الصحافة مدعوما من الحراك

الثورة المضادة لم تبدأ بعد

المعروف ان لكل ثورة مضادة، أي لكل تغيير من يؤيده ويعارضه، وهذا ينطبق على الحراك، فالتأييد الشعبي له كان واضحا من خلال مئات الالاف الذين نزلوا الى الساحات.

لاحظنا ملامح الثورة المضادة او تصرف معارضي الحراك على جسر الرينغ وفي ساحة الشهداء.، في وهنا يطرح السؤال عن ميزان القوى بين المنتفضين وقوى السلطة.

كل حركة اجتماعية تنتهي بالتفاوض وتحقق مكاسب بحلول وسط، وارجو الا يبالغ الحراك في تقدير قواه، وان يقدر جيدا حجم القوى المناهضة له.

لا زلنا في قلب الحراك، ومن المبكر ان نضع استنتاجات نهائية، ولكن قبل 17 تشرين اول ليس كما بعده، لا لجهة تغيير البنى والذهنيات والتوجهات الاقتصادية او التغيير الجذري بالسلطة السياسية، بل تغيير في مسألة المحاسبة والمساءلة، وتراجع نسبة الفساد ومعدلات الهدر والسرقة في المال العام، وتحقيق بعض الإصلاحات في النظام السياسي والقضاء وخاصة في أجهزة الرقابة.

***

(*) القيت في  ندوة “الاستقلال والعاميّة/الانتفاضة”  في الحركة الثقافية- انطلياس

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *