لماذا نكتب، ومتى تكون الكتابة فاعلة؟

Views: 525

لودي الحداد

نكتب ليحيا بعضٌ منّا على الورق، فالحبر سلسبيلٌ ينساب من عمق مشاعرنا التي تهدر كالجداول في أرجائنا.فمهما دوّنا على الأسطر، يبقى ذلك البحر الهادر فينا، ينادي الموانئ والشطآن لتتكسّر أمواجه على دفاتر الأيّام، نقوشاً سرمديةً ترتسم فيها ملامحنا، وتحفرُ أسماءنا على صخور الزّمن. هذا الشاطئ هو ذلك الكتاب الذي يأخذنا إلى كل نفسٍ ظامئةٍ لرقي المشاعر وصدق الأحاسيس. فما من راحةٍ تضاهي ذلك السّيل الذي يحمل أوجاعنا وكل خلجاتنا إلى مملكةٍ عرشها الأدب وصولجانها الإبداع.

أوّل مقومات الكتابة هي الموهبة، نعمةٌ من الله، لكنّها وحدها غير كافيةٍ، يجب صقلها بالعلم والثقافة والمعرفة، فمن أراد أن يكتب ولا يمتلك اللغة السليمة، ستتبعثر موهبته هباءً على الأرصفة . من جهةٍ أخرى ، وهذا رأيي الشخصي المتواضع، من كان يمتلك اللغة ولا يتمتّع بالموهبة، أراه كمن يحفر لوحةً صخريةً جامدةً ، لا روح فيها ولا حياة، فكتاباته لن تصل إلى عمق الوجدان ولن تحاكي النبض والإحساس.

لكي تكون الكتابة فاعلة، يجب أن تتدفّق من أغوار النّفس المتأجّجة بحكايا الصّمت وتأوّهاته، لتنساب بكل تحنانٍ إلى نبض القلوب، فالقارئ إن لم يقرأ ذاته بين الأسطر، لن يتفاعل مع الحرف، ولن يسافر مع الفكرة إلى سحابةٍ تلمع فوق أهداب الفصول، ولن يستحمّ بأمواج النّور المتهادية مع كل خفقةٍ من نبض السّماوات. 

هكذا هو الشّعر حين نحلّق به، وهذا هو الأدب الذي ننهل من آباره الملأى بأسمى المشاعر الإنسانيّة، التي نأت بنفسها عن كل موبقات الأرض في هذا الزّمن المتصحّر.

هنيئاً لمن استطاع أن يغزوَ القلوب بقلمه النابض بالصدق وأدبه المفعم بالعطور، وقصائده التي تعوم فوق هالات أساطير الزّمن الجميل، كأحلام العذارى وألحان الرعاة في الجبال البعيدة التي تعانق الرّيح وتمسك الصّدى، وتدمع مع تنهّدات الغيوم عند انسكاب المطر.

Comments: 1

Your email address will not be published. Required fields are marked with *