حكاية كورونا

Views: 31

مازن حنّا عبّود

اكلت “لبن امو” ونامت. فداهمها كابوس. قالت بأنها رأت ما لم تره عين. رأت ملاكا يتطلع الى الكوكب الذي يحتضن الحياة في المجرة، ويقول: “هذا هو الكوكب الحاضن للحياة. كل القصة تجري في هذه الكرة الصغيرة من المجرة والكون التي لا يعرف الانسان قيمتها ولا عرف ان يحافظ عليها فردوسا صغيرا. لكن الان حان لهدير الحياة ان يستكين قليلا. فلا بد للكوكب ان يستريح لبرهة ويستعيد سلامه لبضعة أسابيع. فيجب على العناصر ان تستعيد توازنها،  فقد أرهقتها ضغوط وهموم البشر الذين لا يرتاحون ولا يريحون. بالطمع والالغاء وانتهاك القواعد دخلت اللعنة الى العالم”. 

ثمّ رأت “نجيبي” جارتها اللدود بلباس ساحرة بقرنين،  فارتعبت، كيف لا وهي بلا قرنين لا تحتملها. 

قيل لها انّ “نجيبي بقرونها” جرثومة افلتت وتاهت. فصارت التحدي المجهري لحضارة الأرض وأهلها على الكوكب. فالقرون تخرج من قرنيها وتطيّر في الهواء، فتستقر على الجماد وتخترق اجسام العباد، وتمسّ كل من وما مسّته. فيصاب الجميع بانفلونزا تميت الشيوخ وكل ما لم يخدمه جهاز مناعته وصحته. فـ”نجيبي وقرونها” تعيد التوازن المفقود الى الحياة. وتكشف هشاشة حضارة البشر ووهنهم. وتسطّر مصائرهم واقتصاداتهم الوهمية. وكان كلّ ما تمسّه يصير ملعونا. 

قرون جارتها اعادت الناس الى بيوتها،  وزرعت الخوف في كل مكان. أوقفت سلاسل الإنتاج،  وأدخلت الاستهلاك في إجازة واستكانت المحلة بكل ابطالها. 

وتطلعت فرأت كيف انّ اهل محلتها أمسوا ينظرون الى بعضهم البعض كممسوسين، فتوقفت جولات “زكور”،  واستاكن “جيب حنون”، وصمت الفيلسوف “جلول” عن الوعظ. وأمست “أسماء” تخشى “سليمة” وصار الانسان يخشى الانسان. حتى فروض الجنازات صارت بلا أناس. فالاجتماع كان متعذرا،  والتحيات والعناق من قبيل الممنوعات. (https://thereader.com) وغاب العشّاق عن طريق الصنوبر وما عاد ل”عدولة” الذي يلاحقهم قيمة وفرغت جعبته من الاخبار التي كان يحضرها طازجة ل”نجيبي” للتصرف بها وتوزيعها.

سمعت تقول في كابوسها: “مسكين من مات في زمن “نجيبة” و”قرونها” لأنه لن يجد من يلقي عليه نظرة الوداع”. 

وانتظرت”الزكور” في حلمها علّه يغير رأيه، فما وافى. ولا بانت دخان لفافته. فقد اوقفت دورته المكوكية دوريات الشرطي البلدي العظيم والمخيف. والتواصل انحصر بمطبخ “كوكو” وبوسائله الرقمية. ببساطة صار اللقاء مغامرة لا تحمد عقباها.

ثمّ تطلعت في كابوسها،  فوجدت الازقة قد تصحّرت وغابت عن المحلة علامات الحياة. وحده البونا “افتيميوس” اقتحم تلك الشوارع. 

سألت الملاك عن كيفية مواجهة جارتها وقرونها. فقيل لها انّ ذلك مستحيل إذا ما استمرّ كل ديك في اعلان مزبلته إمبراطورية واعلاء مصالحها على كل الكوكب.

 فكان ان استشرست وقررت انقاذ الكوكب. فركضت وامسكت “نجيبي” الشاردة بقرونها وثبتتها قبل ان تلقي بها. فخرجت من الأرض صخرة كتب عليها: “لا تنحلّ اللعنة الا حين ينظر الديك الى عينيّ الديك الاخر ليصونا الحقل. فمنطق مزبلتي أولا حطم حقول الكوكب”. 

وسمعت قرق دجاج. وصياح ديوك. فحذرتهم من قدوم ابن آوى الذي سيلتهمهم جميعا ان لم يتعاونوا.

وسمعت صوتا يقول: “الان تعلمين لم “قرونها” تلزم. انها تلزم كي تتأدبوا. قرونها هي نتاجكم. ونتاجكم يعيدكم الى الخلاء والى البراري والصحاري. يعيدكم الى المخادع والبيوت. 

تلزمكم “نجيبي” وقرونها لتحديد ما هو ضروري وما هو مهم. تلزمكم لتخرجوا من وهمكم وعوالمكم الوهمية”. 

واستفاقت “ماري” من كابوسها المشوار على صخب موكب الخوري “انوفريوس” الكبير الذي خرج من شباك سيارة رباعية مباركا الشوارع وناضحا الازقة بالمياه المقدسة. فصرخت من كل قوتها من شرفتها كي يسمعها. طلبت اليه ان يكثر الصلوات والماء قبالة بيت نجيبي لكي يعطل مفعول قرونها. فتّشت عن ايقونة مهملة في خزانتها اعادت اليها الاعتبار. اضاءت امامها شمعة. وجعلت منها ملجأها. ففي زمن “نجيبي وقرونها” لا لزوم للذهاب الى الكنيسة. في زمن “نجيبي وقرونها” يتحوّل البيت الى معبد. 

صلّت من كل قلبها،  فأحسّت بانّ ازمة “نجيبي” وقرونها قد تنتهي غدا. فلا بدّ لمصانع الادوية ان تكتشف ترياقا ل”نجيبي” وقرونها. فيحصد من يعرف كيف يستثمر في الازمات تريليونات الدولارات. لكن يكون من رقد قد رقد. الا انها شعرت بانّ القصة لن تنتهي هنا. فثمة قواعد جديدة يجب ان تبان وممارسات ان تتظهّر. والا فالقصة ستعاودنا بألف حلة وفيروس. فالأرض الضحلة جراء الاطماع والانتهاكات والفردية والشعبوية لن تنفكّ تلد للديوك الجاهدة ألف لعنة ولعنة.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *