رسالة الإمام السيد موسى الصدر إلى اللبنانيين في ذكرى عاشوراء وعيد الميلاد المجيد (31/ 12/ 1976)

Views: 2234

الملخص: أيها اللبنانيون.. يأتي يوم عاشوراء، ذكرى استشهاد سيد الشهداء الحسين بن علي (ع)، فيكمل بمعانيه السامية معاني الأعياد الكريمة التي اقترنت هذه السنة، لتضع أمام المواطن اللبناني الذي يعيش في بلد الله والإنسان بعد محنة دامية كانت أبعد ما تكون عن الله والإنسان، لتضع صورة واضحة للإنسان الذي أراده الله في لبنان وفي العالم..

إنّ الحسين القائد.. البقية الباقية من الإنسان الإلهي، الذي تربّى في مدرسة دين الله، يدرك أنّ الطغيان والفساد يلتهمان الجميع، وأنّ الخوف والطمع يمنعان توجيه أي نصيحة واعتراض، وأنّ مخافة الله والضمير النقيّ يتقلصان في المجتمع حتى أصبح الإيمان والخُلق يتهددان بالفناء..‏

وشاء ربّك أن يستقبل لبنان بعد نهاية محنته الدامية مع ذكريات الهجرة وعاشوراء.. ذكرى الميلاد المجيد وميلاد العام الجديد.. ذكرى ولادة الإيمان والسلام والفداء، لكي يبشّر اللبنانيين وينشر في عقولهم وقلوبهم وعلى أرضهم الفجر الجديد للمستقبل الذي يليق بتضحياتهم وآلامهم، مستقبلاً مشرقاً بالإيمان والإباء، حافلاً بالعدل والسلام، راسخاً بالمحبة والتضحيات، رافضاً للأحقاد والعقَد، شامخاً بالتحرر والمبادرات، وفياً لأرواح أبطاله، سعيداً بمواهب أبنائه، حاملاً شعلة الحق والفكر والجمال..‏

وكخلود الميلاد وشموخ عاشوراء: يرتبط خلود الوطن وشموخه بالقيَم الإنسانية فقط التي لا انتصار يخلد بدونها، ولا مجد للبطولات مع عدم الالتزام بها، كما يأبى الكون أن يحفظ أو يرفع موقفاً ينطلق من سوى الإنسان وخدمته وخيره، بل ينبذه في زوايا النسيان ويحتقره دون اهتمام..‏

أيها المواطنون الأعزاء.. إنّ المسؤولية التي تنتظرنا وينتظرها الوطن والعالم منا كبيرة جداً وتتطلب الكبار لحملها وإتقانها وإيصالها للأجيال..‏

إنّ العالم قلق علينا لأننا أثبتنا أنّ الوطن الصغير كما تمكّن من حمل مشعل الثقافة والحضارة ردحاً طويلاً من الدهر كذلك يمكنه أن يصبح مصدر الشرور والأخطار وأن يقضّ المضاجع، وأدرك العالم أن هذا المواطن الذي كان يراه يدخل وحده عالم المجهول فينسجم ويتجاوب ويبني كذلك تمكّن أن يشهد قلة منحرفة تتنكر وترفض وتحطّم..‏

فماذا نختار أيها الاخوة؟ يا أيها المحتفلون بميلاد السيد، ويا أيها المكرِّمون للشهيد؟..‏

أمام هذا الخيار الواضح الذي لا نتردد فيه لحظة، واستمراراً لتاريخنا الحضاري البنّاء، ومع أجواء الذكريات التي نقدّسها، علينا:‏

أولاً/ أن نخرج من أجواء الحرب فوراً، فإنها لم تكن بالمدافع فقط، بل كانت بالعقول والنفوس والألسن أيضاً.. فقد أبدعت العقول مع الأسف في ابتكار الخطط الجهنمية وفي استعمال الوسائل المحرِّضة والمحطِّمة وفي تنظير الانحرافات والمظالم وتبريرها حتى لم يبق أمام بعضنا عمل غير مبرر مهما كان بعيداً عن المبادئ الإنسانية والتقاليد اللبنانية..‏

وتشنجت النفوس، فكرهت كما لا يمكن أن يُكره، وقد كنا في تاريخنا مؤسّسي الرحمة مع الأعداء والحماية للاجئين والحفظ للأطفال والنساء والجرحى، وإنّ ألسنة العالم لا تزال تنقل كيف كنا نبعث الأطباء في الحرب لجرحى الأعداء قبل أن توجد مؤسسات الصليب الأحمر في العالم، وتؤكد أنّ الأشجار والأبرياء والحيوانات حتى كانت تتطلب التفاني منا..‏

أما الألسنة والأقلام فقد خاضت حرباً تجاوزت في شراستها الأسلحة الفتّاكة، فاختلقت وشوّهت وحبّبت وكرّهت وضخّمت وصغّرت وحطّمت وتجاوزت حدود أفكار “غوبلز”..‏

إنّ الحرب اللبنانية يمكن اعتبارها الحرب الإعلامية أولاً، ونتجت عن هذا التشنج الإعلامي الذي صُرفت له الملايين (بل مئات الملايين) وجُنِّدت له الأفكار والمواهب.. نتجت عن هذا حرب العقول والنفوس، وأدى كل ذلك الى حرب الأيدي والسلاح والى المآسي والكارثة..‏

لذلك، فإنّ الدمار النفسي في الوطن فاق الدمار المادي، وتجاوزَ الضحايا والجرحى، مما يجعل أمام القادة والمفكرين مهاماً جديدة وجسيمة تفوق مهامهم بعد الحروب الصغرى الكونية..‏

ولاحظ الحسين (ع) أنّ تضحية كبرى تعادل جسامة المحنة وحدها تتمكن من تفجير ينابيع الخير في ضمير الأمة، فلم يتردد ساعة واحدة، ووضع روحه في كفّه، وحمل معه كل من له وكل ما له، وقذف بجميع ذلك في مثل هذا اليوم في نيران الظلم والظلام المستعرة، فاحترق بها، ولكنه أطفأها، فأضيء بهذه الشموع الطاهرة ليل المجتمع الطويل، وأطلّ الفجر..‏

لقد وجد الحسين (ع) أنّ الحق لا يُعمل به، وأنّ الباطل لا يتناهى عنه، وأنّ الحاكم يتمادى في اغتصاب حقوق الناس، ويستعمل في تنفيذ ذلك سيفهم وأبناءهم، وأنه يستعبد الإنسان ويجرّه الى تأمين المصالح الذاتية، وأنه يشتري الألسن ويسخّر الأفكار ويشوّه الحقائق ويجتذب القلوب.. ثم يتصرف في هذه المزرعة دون منازع ولا رادع.. يسفك ويهتك ويدمّر ويرحّل، ويحوّل الإنسان الحر الشريف الى آلة طيّعة، وها هو يورّث سلطانه ويخلّد مُلكه ويفرض البيعة لأبنائه..‏

وأخطر ما في الأمر أنه يستعين بالدين الإلهي ومؤسساته وشعائره وأحكامه، فيصبغ تصرفاته ومخالفاته بصبغة الشريعة والشرعية، ويعتبر إطاعة أمره فريضة، ومخالفة أهوائه مروقاً، ويسلّ سيف الدين لقتل المؤمنين الأحرار بعد أن يجعل منهم (بحكم القضاة وأحاديث الرواة ومواعظ الدعاة) خوارج مرتدين، فإذا بالإنسان الذي طالما تطلع الى السماء، وناضل في سبيل ترسيخ قواعد الدين، ووضع آماله الكبرى في الحرية والكرامة والأمان والعيش الطاهر (يتحول الى) أمانة بيد قادته.. إذ به يفاجأ بأنّ أعداء حريته وكرامته ومغتصبي حقوقه وأمانيه هم الذين يحكمونه ويؤمونه ويقررون مصيره..‏

أما الناس: أولئك الذين ربّاهم محمد على أن لا يقاروا على كظة ظالم ولا على سغب مظلوم وألا يسكتوا على الانحراف مهما كان صغيرا.. أولئك الذين ملأت احتجاجاتهم مجالس الحكام وأندية المجتمع، ها هم أسرى السيف أو الرغيف أو التحريف، وها بعضهم يقول للحسين: “قلوبنا معك وسيوفنا عليك”(بعد ان طلب المتحكم في مدينة الرسول منه مبايعة يزيد)..‏

وخرج من المدينة على إرادة الحكام والاستسلام مهاجراً الى الله الحق، ثم ترك مكة في موسم الحج بالذات إمعاناً في الاحتجاج وإتماماً للتحدّي معلناً على رؤوس الأشهاد رفضه لكل ما يجري في العالم الإسلامي ولكل من يجري وراء الطواغيت والمنحرفين مؤكداً أن الحج والمؤسسات الدينية كلها هي لحماية الإنسان وكرامته ولتحريره ومعراجه ولتربيته وسموّه، وإلا فالرحلة الحقيقية الى الله هي الى المكان الذي تتوفر فيه القيم الروحية ولو كان عبر الصحراء الى مقام الشهادة في سبيل الله..‏

خرج الحسين (ع) من مكة الى الصحراء قائلاً: “خُطّ الموت على ولد آدم مخطّ القلادة على جيد الفتاة، وما أولهني الى أسلافي اشتياق يعقوب الى يوسف.. وكأنّي بأوصالي تقطعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء فيملأن منّي أكراشاً جوفاء وأجربة سغباء”.. ثم ينهي خطبته الشهيرة بقوله: “إني لا أرى الموت إلا سعادة ولا الحياة مع الظالمين إلا برما، ألا ومن كان منكم باذلاً مهجته متشوقاً الى لقاء الله فليرحل معنا”..‏

ثم ذهب فلاقى مصرعه ومصارع أهله وأصحابه جميعاً، وملأ مسامع العالم خبر استشهاده وطنين شعاراته وبريق بطولاته وجرائم أعدائه، وبدأت الاحتجاجات والندامات والتوبات والثورات تغطّي أرجاء العالم الإسلامي، فهزّت عروش الظالمين وأسقطت كيان المنحرفين، وامتدت الشعلة الإنسانية الطاهرة التي أوقدها الله بدمائهم الى أفق الدهر والتاريخ..‏

وفي هذه السنة، وفي كل سنة، تقترن بداية السيدة الهجرية (هجرة محمد) مع ذكرى الهجرة الحسينية.. إقتران البداية بالاستمرار، وانسجام الجذور بالأغصان والأسس بالبناء..‏

وبنفس القوة والإبداع، وعلى قدر الابتكارات المدهشة، علينا أن نعالج حالة الحرب، وأن نخرج منها بملء إرادتنا وبكامل حريتنا..‏

إنّ قوات الأمن العربية المعززة لا تتمكن من أن تدخل في هذه الساحات الكبرى في حربنا، ولا يعالجها إلا عزمنا النابع من إلهام الفادي وفداء الحسين، ولا يعالجها إلا إرادتنا الصلبة لبناء مستقبلنا ومستقبل أولادنا..‏

علينا أن نعيد النظر في المعلومات التي أعطيت لنا قبيل الحرب وخلالها، وبالتالي نعيد تقييمنا في العلاقات العامة والخاصة وفي اختيار الحليف والخصم وفي انتخاب القادة والرفاق..‏

علينا أن نتجدد كالسنة الجديدة (هجرية وميلادية) وقد تجددتا معاً، فنتجدد بعقولنا ونفوسنا ومعلوماتنا وأحاديثنا المجلسية والصحفية والعامة..‏

إذا أردنا أن نقرر مصيرنا بأنفسنا ونملك الزمام مجدداً علينا أن نتجه بكل أبعاد وجودنا الى البناء، الى الأمام، الى الخلود، وإلا يعتبرنا العالم ولداً عاقاً فيقاطعنا ويتغاضى عما يحل بنا من كوارث ويضع محجراً على حدوده أمام دخولنا..‏

فيا أيها اللبنانيون الطيبون.. عالجوا المحنة قبل أن تستعصي على العلاج، وابدأوا فوراً ودون تأخير بالخروج من أجواء الحرب في عقولنا ونفوسنا وحلقاتنا ولقاءاتنا الخاصة والعامة، ولنبادر إلى منع بقايا التهديد والخطف والنسف والتحريض والتبجح والتحدي وبيع المسروقات علناً، ولنستعجل لطلب إطلاق سراح المعتقلين ليعودوا إلى بيوتهم وذويهم الذين طال انتظارهم وتعبت عيونهم متجهة نحو الأبواب..‏

لنتجنب تبرير كل انحراف بإسناده الى عناصر غير منضبطة أو بحجة المقابلة بالمثل أو بمختلف الحجج والأعذار والفلسفات التي تبتكرها عقولنا النوابغ..‏

ويا بناة الوطن والتاريخ: اشجبوا علناً كل انحراف حصل أو يحصل، وقاطعوا كل ظالم ظلَم أثناء المحنة وبعدها، ولا تحاولوا الحكم عليه من منطق ارتباط مرتكبيه معكم، فبالعدل وحده تبنى الأوطان: العدل في السلوك والحكم والقول.. وبالعدل يُصنع التاريخ..‏

أيها الاخوة المواطنون: إنّ مبادرتنا العامة الشاملة في إنهاء الحرب وأجوائها تُخرجنا من الحاجة الى القيّمين ولو كانوا اخوة لنا، وتوفّر علينا المشاق والأخطار، وتجعلهم يتفرغون لمسؤولياتهم الوطنية والقومية التي تنتظرهم. وإنّ إسراعنا ببناء مؤسساتنا الوطنية واجب وطني وقومي في آن معاً، ومن دون مشاركتنا في طرد الحرب وآثارها نعرّض وطننا وأمتنا لأخطار كبرى أتـهيّب من ذكرها، فكيف إذا حاولنا تمديد أجواء الحرب بشكل أو آخر؟..‏

أعود أمام ثقل المسؤولية وصعوبة تحملها، والحرب قد تعمّقت، أعود وأذكّركم بالميلاد المجيد للفادي ومعانيه وأبعادها، ونحن نحتفل به ونكرّمه، وأضع أمام أعينكم استشهاد الحسين وأعماقه، ونحن نعيش احتفالاته ومعانيه..‏

هلمّوا يا أيها الاخوة لنعمل آحادً وجماعات نبادر الى تصفية ذيول الحرب عبر خلق المصالحات وخرق الأجواء الصعبة: في إيجاد الحوار، في البحث المحبّ، في تقرير المصير والتفكير به..‏

أيها اللبنانيون.. تعالوا نتحدى العالم: الصديق الذي راهن بألم على نهايتها، والعدو الذي تآمر على وطننا أو على وحدته، أو على سيادته، أو على حريته، أو على انفتاحه، أو على طموحه، أو على ازدهاره، أو على كل ذلك معاً.. (تعالوا) نتحداهم جميعاً ونقول لهم بالفعل لا بالإدعاء أننا هنا باقون.. صامدون.. مستمرون.. نحفظ وطننا ووحدته وسيادته وحريته وانفتاحه وازدهاره..‏

يا أيها العالم الذي ساهمنا في تثقيفه وفي تحضيره وفي بنائه وفي الدفاع عن المظلومين في أي بقعة منه، والذي سارعنا في تبنّي قضاياه، والذي فتحنا عقولنا وقلوبنا وبيوتنا ومؤسساتنا وصحفنا له.. إننا هنا لا نزال رغم إساءاتك وتجاهلك وحزنك المترف علينا ومحاسباتك الاقتصادية والسياسية في إسعافنا ومساعدتنا.. إننا موجودون موحَّدون مستعدون للبقاء في نفس الموقع المعطاء، وسنضمّد جروحنا لنتفرّغ لتضميد جروحك، وسنُبعد الظلم عن داخلنا لكي نحارب الظلم لديك، وسنقضي على التخلّف والعنصرية والتمييز لكي نقف لخدمة المتعطّشين الى التقدّم والمساواة والحرية..‏

ويا أيها العالم الذي انزعجت من انتشار وجودنا وعمق تأثير أبنائنا، ومن تبنّينا لقضية فلسطين ولنضال شعبها العادل، ومن إلقائنا لكلمة فلسطين في الأمم المتحدة، ومن حمايتنا لثورتها وثوارها ومكاتبهم ومخيماتهم… إننا رغم معاناتنا التي تجاوزت كل حد باقون في ذات الموقع، وسوف نتعاون معهم في إعادة التقييم لمرحلة ثورتهم المقبلة وفي وضع استراتيجية جديدة لها وفي حماية قضيتهم العادلة الى يوم العودة..‏

إنّ القدس التي هي عاصمة بلدهم هي قِبلتنا وملتقى قيَمنا وتجسيد وحدتنا ومعراج رسالتنا.. إنها قدسنا وقضيتنا، وجهادهم في سبيل تحريرها جهادنا ومسؤوليتنا..‏

إنّ وطننا أقوى شكيمة وأوسع أفقاً من أن يتأثر بالجروح المفتعلة، وإنّ الصعوبات التي تعترضنا أقل من أن تسلب رسالتنا الحضارية ومسؤوليتنا التاريخية..‏

ويا أيها الذي أردت القضاء على تعايشنا المثالي لكي لا نشكّل بوجودنا سنداً حياً قريباً لإدانتك.. يا إسرائيل: اعلمي أنّنا قبِلنا أمانة الله وأمانة الإنسان التي هي وحدتنا الوطنية الشاملة للمسيحيين والمسلمين، قبِلناها وحدنا بين بلاد الله كلها، وكنا نعرف صعوباتها ومسؤولياتها، وبذلك أصبحنا موضع آمال العالم، ومثالاً متجسداً لمستقبله، وواحة نموذجية لحضارته المستقبلية، كما كسبنا بذلك رضا ربّنا، ودافعنا عن دينه أمام الاتهامات الموجهة الى رسالاته، وسوف نبقى متمسكين بتعايشنا، أمناء على الأمانة الغالية، ندافع عنها بكل ما نملك من قوة فكرية وعاطفية ودفاعية، ولا نسمح للفكر الصهيوني أو النازي أو الفاشي أو العنصري أن ينمو في وطننا، كما لا نسمح للفكر العنصري الجديد المتلبس بغطاء بعض الأحزاب أن ينتشر بين أبنائنا..‏

ويا دعاة الإلحاد ومتّهِمي الإيمان، ويا أيها الطامعون في أرض وطني، الرافعون لشعارات سياسية وعقائدية.. فتشوا عن قاعدة أخرى لكم.. فلبنان أرض الله والإنسان، ولا مكان فيه لمنكري الله ولمتنكريه ولا لمحتقري الإنسان ومصنِّفيه..‏

ويا أيها التاريخ: لقد حمينا في مواقع متعددة ومتناقضة أحياناً، بدمائنا وبسخاء، حمينا وطننا ووحدته وسيادته، وطردنا الفكرة التي كانت تعتبرنا تجّار الوطن أو المجتمع “المرتكلنتي”، ولذلك فإنّ سجلّنا لديك قد اكتمل، وإننا كتبنا على صفحاتك الخلود بدماء شهدائنا الأبرار، وإنّ المسلكية القذرة التي استعملها البعض ودفع إليها البعض لا يمكن أن تشوّه انتفاضتنا النابعة من القناعات السامية، وسنحاول بكل دقة وثبات إعادة بناء النفسية لدى أبنائنا في ضوء الإيمان بالله والالتزام الكامل بالقيم..‏

أيها المواطنون: إنّ هذه المخاطبة للعالم وللتاريخ في هذه الساعات المصيرية تصدر عن قلبي ولساني، وإنني أحسّ بأنهما يعبّران عما في ضمائركم وسرائركم، فقد لاحظت ولاحظ العالم ما ورد على لسان رئيس البلاد في جلسة قسمه واستلامه، ورد ذلك على لسانه ورعود المدافع كانت تصمّ الآذان، ثم تجددت هذه المرتكزات في الدعاء المخلص الذي ابتهل به سماحة مفتي الجمهورية بمناسبة رأس السنة الهجرية، وفصّلها بلغةٍ واضحة ومنطق سليم صاحب الغبطة البطريرك خريش في كلمته الميلادية الرائعة..‏

ولذلك، فإنني لا أعتبر نفسي في مضامين هذه المناشدة شاعراً أو حالماً أو واعظاً، إنها بصمات عقولكم وقلوبكم وأيديكم على جبين هذه الجبال والشواطئ، وإنها خطوط سلوككم القديم الحديث عبر البحار الى القارات الخمس، وإنها مفهوم احتفالاتكم المستمرة بهذه الذكريات المجيدة..‏

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *