الراعي في رسالة الميلاد: الشعب ينتظر حكومة تضم أصحاب اختصاص ونزاهة

Views: 710

 وجه البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، من كنيسة السيدة في الصرح البطريركي في بكركي، رسالة الميلاد بعنوان “أبشركم بفرح عظيم”، الى اللبنانيين جميعا والمسيحيين خصوصا مقيمين ومنتشرين، في حضور لفيف من المطارنة والرؤساء العامين والرئيسات العامات والكهنة والراهبات.

الام سعادة

بعد الصلاة المشتركة، ألقت الرئيسة العامة لجمعية راهبات العائلة المقدسة المارونيات الام ماري انطوانيت سعادة كلمة معايدة باسم مجلس الرؤساء العامين والرئيسات العامات، قالت فيها: “باسم أخواتي الرئيسات العامات والإقليميات وإخوتي الرؤساء العامين والإقليميين للرهبانيات وجمعيات الحياة المكرسة، أتقدم منكم يا صاحب الغبطة والنيافة، ومن السادة الأساقفة وهذا الجمع الحاضر، بأصدق التهاني بمناسبة عيد ميلاد ربنا يسوع المسيح”.

اضافت: “نجتمع معكم وحولكم، لنشهد لهذه البشرى، بشرى الخلاص ونردد معا نشيد الرجاء: “المجد لله في العلى وعلى الأرض السلام والرجاء الصالح لبني البشر” ليلة أنشدت الملائكة نشيد الفرح وبشرى الخلاص في سماء بيت لحم وعلى مسامع الرعاة، لم يكن سلام في الأرض بحسب منطق الأرض، بل كانت حروب وضيقات وصراعات عسكرية وسياسية واجتماعية ودينية. إنما السلام الذي أعطاناه يسوع بميلاده، هو السلام الذي لن ينزعه منا أحد، والفرح الذي بشرنا به الملائكة هو الفرح الحقيقي الكامل النازل من عل، والرجاء الصالح هو الرجاء الذي يأتينا من الصالح ولا صالح إلا الله وحده. ليلة أنشدت الملائكة المجد لله، كان في الأرض من ينشدون المجد لقيصر ويتوقعون سلاما وعدالة من بيلاطس ورحمة من هيرودس. فجاءنا سلام الله وظهر مجده بيننا طفلا صغيرا مقمطا في مذود، هو رجاؤنا وسلامنا وصلحنا وخلاصنا”.

وتابعت: “في الظروف الراهنة، هناك قراءات متعددة وعلى مستويات مختلفة. هناك التحاليل السياسية والأبحاث الاقتصادية والسوسيولوجية. وكلها مهمة وبعضها ناجع. ونحن، أبناء الكنيسة، لدينا مع هذا كله، وفوق هذا كله، رؤيتنا الروحية وقراءتنا الإيمانية، لدينا رجاؤنا بخلاص اسمه يسوع.
نجتمع حولكم يا صاحب الغبطة، ومعكم نتأمل كلام الملائكة للرعاة: “لا تخافوا! فها أنا أبشركم بفرح عظيم يكون لجميع الشعب: أنه ولد لكم اليوم في مدينة داود مخلص هو المسيح الرب. وهذه لكم العلامة: تجدون طفلا مقمطا مضجعا في مذود”.

وقالت: “كم نحن بحاجة اليوم إلى سماع هذه الكلمات من جديد والتأمل بها. كم أن إخوتنا في الوطن بحاجة إلى سماع كلمة تأتي من السماء تبشرهم بالفرح العظيم وتطمئنهم وتبعث في قلوبهم الرجاء. هم، ونحن معهم، ننتظر الخلاص وننتظر علامة، ولكن لا علامة لنا إلا وجه الطفل الإلهي، الكلمة الأزلية الذي صار جسدا وسكن بيننا ونوره يشرق في قلب ظلمات عالمنا”.

وأشارت الى ان “قداسة البابا فرنسيس كتب في رسالته “علامة رائعة”: الله نفسه، من خلال الطفل الإلهي، الذي ولد في مغارة الميلاد، يبدأ الثورة الحقيقية الوحيدة التي تمنح الرجاء والكرامة للمحرومين والمهمشين: إنها ثورة الحب والحنان”. وإننا كمكرسات ومكرسين مؤتمنون على “الشهادة النبوية” في عالمنا، مؤتمنون على استمرارية ثورة الحب من خلال صلاتنا وأعمالنا وشهادة حياتنا، وبالأخص من خلال مبادرات التضامن نحو الإخوة الأكثر فقرا والأكثر حاجة، خصوصا في أيامنا هذه. نحن مؤتمنون على “تجسد الابن” من خلال تجسيد نظر المسيح الحنون الذي يرى ويرأف، ويد المسيح الطبيب الذي يبلسم ويشفي، وأحشاء المسيح الذي يحنو على البشر”.

وختمت: “لا بد من أن نشكر الله في هذه الظروف على مبادرات التضامن التي تتضاعف في مختلف أرجاء الوطن، من أبناء الكنيسة، ومن مختلف الجماعات والفئات. وهي علامة على أن أرضنا تنبض بالحياة.

وصلاتنا أن يشرق الطفل الإلهي، بسمة الآب، في أديارنا وبيوتنا، وأن يكون في قلوبنا الرجاء الذي لا يخيب. ولد المسيح! هللويا!”.

الراعي

بعدها وجه البطريرك رسالة الميلاد وجاء فيها:

1. ما أجمل أن يعلن الإنسان، كل إنسان، من موقعه، خبرا يولد الفرح في قلوب سامعيه المنتظرين الخبر السار. هكذا فعل الملاك مع رعاة بيت لحم الساهرين اليقظين في ظلمة ذاك الليل الذي اخترقه نور المولود الإلهي: “أبشركم بفرح عظيم يكون للشعب كله: لقد ولد لكم اليوم المخلص، يسوع المسيح، في مدينة داود” (لو 10:2). فتنادى الرعاة وأسرعوا إلى بيت لحم: ذهبوا، ورأوا، وأخبروا بالكلمة التي قيلت لهم من الملاك، ثم رجعوا وهم يسبحون الله ويمجدونه على ما رأوا وسمعوا.

2. يسعدني والسادة المطارنة أن أبادلكم التهاني والتمنيات بالميلاد والسنة الجديدة، رافعين الشكر للطفل الإلهي على ما علمنا بتجسده وذبيحة الصليب من تجرد وتواضع وفقر روحي ومحبة إلى آخر الحدود، وعلى ما أفاض الله علينا من نعم وبركات خلال السنة التي تلامس نهايتها، راجين أن يكون العام الجديد 2020 عام سلام شامل على أرضنا اللبنانية والمشرقية. ويطيب لي أن أشكر حضرة الأم ماري أنطوانيت سعاده، رئيسة مكتب رابطة الرئيسات العامات والإقليميات للرهبانيات النسائية، التي ألقت بإسم الرهبانيات النسائية والرجالية كلمة التهنئة الغنية بمضمونها الروحي والوجداني.

3. أعلن الملاك البشرى الإلهية فقبلها الرعاة البسطاء والفقراء بطاعتهم وأعطوها فاعليتها. لا تكتسب كلمة الله فاعليتها لدى الممتلئين من ذواتهم، والواضعين الله جانبا. ولذلك بشراه السارة الخلاصية لا تعنيهم، لجهلهم أنها بشرى بشخص جاء للقائهم، لا بفكرة أو عقيدة. أما الرعاة فسمعوا وذهبوا ورأوا وامتلاؤا فرحا وأعلنوا بدروهم هذه البشرى السارة (راجع لو 2: 15-20). هذه أفعال أساسية في حياة كل مؤمن ومؤمنة نتعلمها من الرعاة، لنعيش علاقتنا الحية مع المسيح الكلمة، الذي “ولد مرة واحدة بالجسد، لكنه بحبه للبشر يود أن يولد روحيا باستمرار في الذين يؤمنون به ويحبونه” (القديس مكسيموس المعترف).

4. شجع الرعاة بعضهم بعضا قائلين: “سيروا بنا، لنرى الكلمة التي حدثت وأعلمنا بها الرب”. إنهم بذلك عاشوا طاعة الإيمان النابعة من الكلمة التي قيلت لهم، وملأت قلوبهم فرحا وتمجيدا. هذه الكلمة إياها قبلتها مريم عذراء الناصرة من فم الملاك جبرائيل، فأصبحت جنينا في حشاها. هذه الكلمة عينها قبلها يوسف من الملاك في الحلم فانكشف له سر حبل مريم ودوره في هذا السر الإلهي، وملأت الكلمة قلبه حبا وحنانا.

5. الله يكلمنا بأنواع شتى: بجمال الطبيعة التي خلقها، بكلمته الإنجيلية، بالأسرار السبعة التي استودعها الكنيسة لتوزع نعمها على المؤمنين، بالجماعة المصلية، بالإخوة المحتاجين ماديا وروحيا ومعنويا، وبالمتألمين، وبخاصة بشخص الإله الذي صار إنسانا يسوع المسيح، وكلامه وأفعاله وآياته.

6. معروف عيد الميلاد بأنه عيد تبادل الهدايا والفرح. بالميلاد، الإله أهدانا ذاته، والأرض بادلته هداياها: يوسف ومريم حبهما وحنانهما وعنايتهما، المذود دفء القش والبهائم، الرعاة الحليب واللبن واللحم، المجوس الذهب والمر واللبان، أما هيرودس وأعوانه فالحقد وقرار القتل خوفا على عرشه.

شعب لبنان ينتظر من المسؤولين السياسيين هدية العيدين: حكومة جديدة تضم أشخاصا أصحاب اختصاص ونزاهة وكفاءة يضعون البلاد على طريق الخلاص الإقتصادي والمالي والإنمائي والإجتماعي. لقد عبر الشعب، بشبابه وكباره، برجاله ونسائه عما يعاني من أوجاع، وما يتطلب من إصلاحات، وذلك في ثورة إيجابية لم تهدأ منذ سبعين يوما. ونرجو ان تظل كذلك ولا تصبح ثورة سلبية هدامة. الثورة الايجابية تتعاون مع الجيش والقوى الامنية وتحترمها، وتخفف من الاعباء والنتائج السلبية عن كاهل المواطنين في حق التنقل والعمل. لقد شكلت هذه الانتفاضة علامة رجاء مضيئة في الظلمة التي تكتنف وطننا، دولة وشعبا ومؤسسات. بوركت هذه الانتفاضة – الثورة الحرة وغير المرتهنة لأحد، فلا تهملوها أيها المسؤولون السياسيون، ولا تخيبوا آمالها. فإنها لا تسعى الى مصالح شخصية أو فئوية، بل إلى الصالح العام، والعودة إلى الجذور والأسس التي بني عليها لبنان وميزته عن كل دول المنطقة في تعدديته الثقافية والدينية ضمن إطار الوحدة الوطنية والانتماء بالمواطنة.

7. إن شعبنا يصمد بوجه الضائقة الاقتصادية والمعيشية، مثلما صمد في حقبات وظروف صعبة وخطرة. لكنه لن يرضى بقبول سوء الحكم الذي ساد منذ التسعينات، إذ انتشر الفساد والهدر وتفاقم العجز، وارتفع الدين العام، وازداد الفقر، وتوسعت رقعة البطالة، وبان عدم الصدق في عيش عقدنا الاجتماعي، وأهملت حماية الكيان وصون السيادة.

أما الكنيسة فتواصل بمؤسساتها المتنوعة وإمكانياتها، مساعدة شعبنا في صموده بما يلزمه من حاجات معيشية. وإنا نناشد الدولة، فيما الحاجات تتزايد، أن تؤدي مستحقاتها لهذه المؤسسات لكي تتمكن من الاستمرار وتوفير فرص عمل للعديد من العائلات. وإننا نحيي جميع المبادرات الفردية والجماعية التي تتضامن مع العائلات المعوزة وسائر الفقراء وأصحاب الاحتياجات الخاصة، وتنظم مساعدات عينية ومالية وطبية. نسأل الله أن يفيض بركاته عليهم جميعا، لكي تكثر عطاياه بين أيديهم ليتقاسموها مع المعوزين.

8. إن الرب يسوع بتجسده، وهو الإله الذي أخلى ذاته وافتدى البشرية بموته على الصليب وأحياها من جديد بروح قيامته، يعلمنا التجرد والتحرر من الذات، لكي نسود على مصالحنا الضيقة. إذا نظرنا من هذا المنظار إلى الجماعة السياسية عندنا، نجد أن مآسينا تأتي من أن حكامنا يرفضون تداول السلطة منذ عشرات السنين، بل يتحاصصونها ومال الشعب هدرا ونهبا مسرفين في الصرف ومراكمين الديون على الدولة بمختلف أنواعها. فأوصلوا الدولة إلى الانهيار الاقتصادي والمالي، وأوقعوا أكثر من ثلث الشعب اللبناني في حالة الفقر، ورموا 35 % من الخريجين الجامعيين في حالة البطالة، فضلا عن الوصول بعدد من المؤسسات الخاصة التجارية والصناعية والتربوية إلى إقفال أبوابها.

9. لبنان مشروع إنساني من أجل الحريات والمساواة والعيش المشترك بين الطوائف والأديان في هذا الشرق، المعرض دائما من قبل السياسات الداخلية والخارجية لاستعمال الدين من أجل توسيع رقعة النفوذ، وقمع الحريات الشخصية، خلافا لما تعلم الأديان نفسها. هذا المشروع اللبناني، الذي يشكل نموذجا ورسالة في هذا الشرق، نحن مدعوون لحمايته، من أجل كرامة شعبه وثقافته وحضارته. وهذا ما من أجله قامت الانتفاضة – الثورة التي جمعت تحت راية الوطن العائلة اللبنانية في كل المناطق، ومن كل المذاهب والأحزاب والأعمار.

10. وفيما نسجد لميلاد المسيح مخلصنا، نحتفل في الوقت نفسه بنشأتنا. ولادة المسيح هي في الحقيقة منشأ الشعب المسيحي. فتذكار ميلاد الرأس هو أيضا تذكار ميلاد الجسد. هذا هو فرح الميلاد الذي أنشده جمهور الجند السماويين: “المجد لله في العلى، وعلى الأرض السلام” (لو13:2)”.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *