المسيح وصليب الخشب

Views: 360

الوزير السابق جوزف الهاشم

“يا حاملَ السيفِ” خَـلِّ السيفَ ناحيةً    ليسَ الصليبُ حديداً كانَ بلْ خشَبا

إذا نظـرتَ  إلـى  أَينَ  انتـهَتْ  يـدُهُ    وكيفَ جاوَزَ فـي  سلطانهِ  القُطُبـا

علِمْـتَ  أنَّ  وراءَ  الضعـفِ مقـدِرةً    وأنَّ  للحـقِّ  لا  للقـوّةِ   الغَـلَبـا

          أحمد شوقي : “مع بعض التصرُّف”

  نبتـهجُ … ونحن نكتب عنه ، لقد ملَـلْنا الكتابة عن الشياطين .

  نستحضره … لعلنا نحدِّد معـهُ مفاهيمَ الضعفِ والقـوَّة ، في عالمٍ تحوَّلتِ القوةُ فيه الى عنـفٍ ، والعنف يغتال قـوَّةَ الضعف .

  بقـوَّةِ ضعفـهِ الملكوتي جاوزَ سلطانهُ سائرَ أقطابِ الغرب فهـزَّ عروشَ القياصرة ، وعـمَّ أرجاءَ المشرق وأنحاء الجزيرة العربية : مِـنَ ملوكِ مناذرةٍ ، الى شيوخِ قبائل ، ومئاتٍ من الأديرة والأساقفةِ بمن فيهم الراهب ورقـة بـنْ نوفل إبـنُ عـمِّ السيدة خديجة زوجة الرسول .

  هذا الرسول الإلهي ، عندما صوّره الفيلسوف الإلماني “نيتـشه” رجلاً ضعيفاً متمسكناً ، إنبرى له جبران خليل جبران بالقول : “عاشَ المسيح ثائراً وصُلِبَ متمرداً ومات جباراً …”

هذا الثائرُ الأكبر ، نستحضره اليوم ونحن نشهد ثورةَ المظلومين على الظالمين واحتضارَ العدلِ في الأرض على حـدِّ جـوْرِ السيف وسفْكِ الدمِ البريء .

  في الصراع التاريخي : بين تعسُّف السيف وثورة الشعب كانت الشعوب تحطِّم دولةَ السيفِ باللحْمِ وتكتب دولةَ الحقِ بالدم .

  كلُّ ملايين الرؤوس التي تدحرجت على أيدي : ستالين وهتلر وموسوليني لـمْ تفلح في إرساءِ طغيان الحكم العنيف على إرادة الشعب الثائرة .

  على أن القوة العادلة إذا استُعْمِلَتْ لتوطيد الحقّ ، تصبح قـوةً محقَّـةً كمثل سيف الإمام علي بن أبي طالب الذي كان وسيلة هدايةٍ ضـدَّ الذين “رفضوا حجةَ الله فكان السيف شافياً من الباطل وناصراً للحق” .

  بهذا المفهوم تتحدد معاني القوة ، بما في ذلك قوة لبنان القوي والجمهورية القوية والرئيس القوي ، أي قوةٌ تنتزعُ حـقَّ الشعب المستضعف من طغيان السلطان المستقوي .

  يقولون : إنَّ صوتَ الشعب من صوت الله ، والذين حكمونا على مدى السنين الخوالي ، كان صوتُ الذهبِ عندهم هو الأقوى ، وبغريزةِ عبادةِ الربَّـين  باعَ ربُّـهمْ المزيَّـف ربَّـنا السماوي بثلاثين من الفضة وعلَّقونا على أخشابِ الـذُلِّ مصلوبين ، لا مـوت ولا قيامة .

  المسيحُ الذي مـرَّ بين المدن العشر في منعطف لبنان الجنوبي حتى النبطية … “… ثـمَّ خرج من هناك إلى تخوم صور وصيدا(1)” ، أعلن البشارة الإنجيلية الأولى في عرس قانـا ، وكانت معجزةُ إشباع الجياع بالأرغفـةِ الخمسة والسمكتين .

  ونحن الذين نركض اليوم في ثورة الجياع وراء الرغيف نخشى أن يُصبحَ سـدُّ رمَـقِ الجوعِ عندنا في حاجةٍ الى مسيح .

***

1 – مرقس : 7 : 24 – 31

جريدة الجمهورية  27/ 12 / 2019

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *