أدباء الأطفال في لبنان… دفْءُ الوطنِ وصقيع الهجرةِ

Views: 215

د. إيمان بقاعي

قبلَ أن يتناولَ أدباءُ الأطفالِ والنّاشئةِ اللُّبنانيونَ قضية الهجرةِ، لم يُبْقِ القاصُّ اللُّبنانيُّ توفيق يوسف عواد في قصة “بلادِ الذّهبِ” عقابًا إلا وأنزلَهُ على رؤوسِ أفرادِ عائلة “بطرس همَّام” بسببِ تفكيرِ الأخيرِ المهووسِ في الهجرةِ، لاعتقاد “همَّام” – كما يعتقدُ العامَّةُ من مواطنيه- أن المغتربين يجْنون في  بلاد الاغْتِراب الذَّهَبَ. 

ولم يكتفِ “عوّاد” بإنزالِ العقوباتِ في هذه القِصَّة، بل سخرَ من حلم الذّهَبِ في قِصَّة (“حلْم مهاجر”، قاصدًا ألا يُطلِقَ اسْمًا على بطلِ القِصَّة، وكأنه أراد القول: إنَّ المهاجر سوف يندثر أثرُه واسمُه نتيجةَ تفكيره بمغادرةِ بلاده. 

 

وقد كرَّس كُتَّاب قصة الأَطْفَال والنَّاشِئة اللُّبنانيونَ فكرةَ عوَّاد، وإن لم ينكر بعضُهم أهمية الاغْتِرابِ “المؤقَّتِ” لجني المال كَسْرًا لأَسْرِ الأوضاع الاقتصاديَّة الصَّعبة. 

إلا أن السِّمة العامَّة لهذه القضيةِ تتمثل عندهم بالدَّعْوة إلى البقاءِ، خاصة وأن لبنان يحمل من الجمال والبهاء ما جعلَ القريبَ والبعيدَ يرددُ مقولةَ: “نيَّال مَن له مرقد عنزة في لبنان”، إضافةِ إلى تردادِ أنه في أحضانِه نشأَ أشهرُ المفكرين والأدباء والعباقرة والفنانينَ الذين وصلَتْ شهرتُهم إلى أنحاء العالَمِ.

 

على أن هؤلاء الكتّاب لم يدعوا إلى البقاء في أرض الوطن لأجل هذين السّبيين فقط؛ بل لتخليصِ المهاجرين أيضًا من الآلامِ والمصاعبِ الَّتي يعانونها. 

فإنْ صرخَت عميدةُ أدب الأطفال اللُّبنانية رُوزْ غرَيِّبْ صرختَها العالية المجازية في قِصَّة “ألْقوا دلْوَكم”، داعيةً إلى البقاء لا المغادرة، قائلةً إن الذين بقوا  في الوطنِ استطاعوا أن ينتجوا ما لم يستطعْه مَن غادر؛ وذلكَ بسببِ قدرةِ “الدّفء” [بمعنييه الحقيقي والمعنوي] على الإنتاجِ؛ أكّدت إِمِلِي نَصْر الله في قِصَّة “حسُّون الغربة” على نظريةِ “الدّفءِ” ذاتِها، واضعةً في كفةِ ميزان الهجرةِ ألفاظَ “اللَّوعة وقسوة الطّقس وصدإِ الأيام والرَّتابة والّتيه والموت على جرعات”

 

ولاقى الكاتبتين معظمُ كتّاب الأطفالِ اللّبنانيونَ، داعينَ الشَّبابَ إلى التَّشبث بفكرة البقاء من خلالِ قصص ورواياتٍ جميلة وهادفة، منتصِرينَ أيضًا لنظرية “الدّفءِ” التي لم يقرأ الممسكونَ بعنفٍ بزمامِ البلادِ أدبَ الكبارِ أو الصّغارِ، والذي أصرَّ المبدعونَ- من خلالِه- إقناعَ كلِّ مَن أصابَهُ اليأسُ بالبقاءِ على أرضِ الوطنِ، رغم ما فيه من ظلمٍ وحروبٍ متواصلةٍ وجوع وفقرٍ وموتٍ، فالوطنُ الذي عانى- وما زال- يحتاجُ إلى إعادةِ إعمارِ الحجَر والبشَرِ، ولا إعمار إلا على أيدي شبابه!

***   

* د. إيمان بقاعي، أستاذة جامعية وكاتبة أطفال لبنانية، وحاصلة على دكتوراه في أدب الأطفال والنّاشئة، وعضو في اتِّحاد الكتّاب اللبنانيين.  

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *