للجَسدِ مَجدُهُ

Views: 44

لميا أ. و. الدويهي

وشاءَ أَن يكونَ الكَونُ بكلمةِ «كُنْ»، فكانْ… وشاءَ لهذا الجَمادِ أَن يَنتَعِشَ ، فكانتِ الطَّبيعة… وشاءَ أَن يَملأَهُ حَياة، فكانَ الإنسان…

سَماهُ فوقَ الكُلِّ وجَعَلَ الكلَّ تَحتَ إمرَتِه وأَعطاهُ من مَجدِهِ كُلَّ المَجد، وزَوَّدَهُ بسُلطانِهِ ومَلَكَّهُ على كُلِّ مَصنوعاتِهِ ودَعاهُ بـ«الإِله»، لمَّا من روحِهِ نَفَحَ فيهِ روحًا… إلاَّ أنَّ جَشَعَ الإنسانِ وكبرياءَه جَعَلاهُ يَتمرَّدُ ويُعاندُ مَن خَلقهُ مُمَجَّدًا، حُرًّا من الأَهواء والأَخطاء، فوَلَجَ طَوعًا، ومن دونِ أن يُدرِكَ، إلى دارِ العُبوديَّة ودعاها بـ«التحَرُّر»… إلاَّ أنَّ مَن سَماهُ فوقَ الأَشياءِ وحَرِصَ على كرامتِه وبالتَّالي حُريَّتِه، لم يَفرِضْ عَليهِ الطَّاعةَ، بل فَتَحَ له أَبوابَ المَعرفة وأَنار لهُ العقلَ والبَصيرةَ وتَركَ لهُ حُريَّةَ الاختيارِ والقَرار، إمَّا بالبَقاء على الحال التي انحَدَرَ إِليها واعتَنَقَها حَياةً، وإمَّا بالعَودةِ إلى ذلكَ المَجدِ المُعطى لهُ سابقًا، من قَبلِ حتَّى أَن تَبدأَ الحَياة… وبما أَنَّ الحُريَّةَ مُرادفةٌ للإنسانيَّة، قَرَّرَ كُلٌ منَّا ما يُناسبُهُ بفعلِ هذهِ الحُريَّة؛ فأَقامَ البَعضُ اعتِبارًا للآخرين بينَما تَخطَّى البعضُ الآخرُ، وحتَّى حُريَّةَ وكرامةَ وقيمةَ الآخرين… هناك مَن سَعى إلى جِهادٍ يُحَرِّرُهُ من الدَّاخلِ وهناك مَن سَعى إلى حَياةٍ، من دونِ أَن يَعلمَ، قَيَّدَت ذاتَهُ في كَيانِهِ، مُستعمِلاً غالبيَّةَ الوقتِ اسمَ الحُبِّ وهو بَعيدٌ كُلَّ البُعدِ عَنهُ وعن حَقيقَتِه… إِنَّ الخالقَ قد جَعلَ من جَسدِ الإنسانِ عَرشًا لروحِهِ، مَسكِنًا لائِقًا، مُمَجَّدًا يَليقُ بتلكَ الرُّوح المَنفوحَةِ فيهِ منه… وهذا الأخير، لم يُدرِكْ عُريَهُ إلاَّ لحظَةَ تَعاظَمَ على خالقِه واحتاجَ أن يَستُرَهُ عن أَعيُنِ مَن ماثَلَهُ وخُلِقَ على الصُّورةِ ذاتِها منذُ البَدء… إِنَّ الأشخاصَ المُحَرَّرينَ من الدَّاخلِ بنعمَتِهم، قد حَرَّروا كامِلَ كيانِهم وأَعادوا مَجدَهم السَّابقَ إِن إلى روحِهم وإِن إِلى أَجسادِهم، لأنَّ عَينَ النيَّةِ قد أَصبَحَتْ نَقيَّة… ولو عادَ الأمرُ لهم لأَظهَروا مَجدَ الجَسدِ بالعُري مُجدَّدًا… إِلاَّ أنَّ وَعيَهم أَنَّ التَّحرُّرَ من عُبوديَّةِ الجَسدِ لم يَطَلْ كُلَّ البَشريَّة، جَعلَهم يُدركون أنَّ مَن لم يَكتَسبِ البَرارةَ الأَصليَّةَ في روحِهِ سيَأسُرُ الجَسدَ ومَجدَهُ تَحتَ نيرِ الخَطيئةِ مُجدَّدًا؛ وإِن لم يَتُمِّ التَّطاولَ على مَجدِه بالفِعل، سيُدَنَّسُ بالفكر… لذا، حِرصًا على هذا المجدِ الذي أُعيدَ إلى مَن سَعى إِليهِ، أَيقَنَ أَبناءُ الرُّوحِ أَنَّ صَونَ الجَسدِ عن تِلكَ العُيونِ أَمرٌ مَفروغٌ منهُ وأَنَّ حُرمَتَهُ لَضَرورةٌ قُصوى، لتَظَلَّ الرُّوحُ النَّيِّرَةُ قاِبلةً للسَّكنِ في جَسدٍ يَليقُ بها، في جَسدٍ لهُ مَجدُهُ وكَرامَتُهُ السَّاميان…

13/ 7/ 2015    

 

(https://mrbonespumpkinpatch.com)

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *