قراءة في قصيدة “اكتبني قصيدة” للشاعر حبيب يونس 

Views: 2127

ميشلين حبيب 

عندما استمعتُ أول مرّة إلى أغنية “اكتبني قصيدة” للفنّانة عبير نعمة من “ألبوم غنّي قليلًا” في التعاون المشترك بينها وبين الفنّان مارسيل خليفة، لم أصدّق أن هناك من تمكّن من وصف حالة الحبّ والعشق بين حبيبين في طيّات قصيدة وأبياتها. بعد أن أسرتني الأغنية كلامًا أولًا ومن ثمّ نغمًا وأداءًا، أرسلتُ إلى الشاعر حبيب يونس، كاتب النص، رسالة قصيرة أعبّر فيها عن غيرة اتقدّت في مشاعري الشعريّة والأدبيّة. قلتُ له، هي المرّة الأولى التي أشعر فيها بالغيرة من نصّ وتمنيّتُ لو كنتُ أنا كاتبته. ما هذه الروعة التي صففتها في أبيات قصيدة عاشقة؟ كيف جعلتَ الحبّ يعشق القصيدة وكيف جعلتَ القصيدة حبيبة وأبياتها أدوات عشق؟ يا لهذا الجمال!

لكن ذلك ليس بغريب على حبيب يونس المفكّر والشاعر العميق الإحساس والبعيد الثقافة أن يكتب نصًّا مرهفًا لذيذًا كنص “اكتبني قصيدة”. الأغنية تأسرك هي ونغمها الذي فهم عمقها وجمال حالة الحب فيها، فأتى نغمًا جذّابًا فتّانًا معبّرًا كحالة الحبّ الرومانسيّ والعشق الشاعريّ التي يصفها الشاعر. عبير النسمة الرقيقة تأخذك في كل بيت وكل كلمة وكل نغمة إلى مكان بعيد من الحبّ والرومانسيّة والجمال. الألبوم بأكمله عمل أدبيّ فنيّ راقٍ مليء بجمال الشعر والشاعريّة وبجمال النغم والصوت الحالم الناعم القوي.  

“اكتبني قصيدة” هي قصيدة قصيرة لكن تأثيرها كبير. في كلّ مرّة أستمع إليها، أطرب وأتلذّذ بنصّها كأنني أسمعها للمرّة الأولى. وكيف يمكن ألّا أتلذّذ بنصّ شعريّ تتغزّل قوافيه وأبياته بحالة حبّ بين حبيبين وتتلوّن بصور شعريّة فتّانة لا يمكن للذائقة الجمالية والأدبية والعاطفية إلّا أن تقع تحت سحرها. 

فالقصيدة لا تقرأها العين، وأصابع الحبيب تلتّف حول خصر الحبيبة التي أضاعت خصرها عن قصد لتجده أصابع الحبيب في القصيدة التي تطلبها لا تُقرأ بالعين. هي تريد حالة الغرام أن تكون مثل قصيدة لكن مكتوبة بأصابع الحبيب وشفتيه. يا لهذا الجمال!

وأجمل ما في النص الدعوة إلى القبلة، إذ يقول الشاعر على لسان الحبيبة “شفافك قوافي وما ناقصْ غير بيتين رحْ خلّي شفافي يدلّوكْ الدرب منين”، لتكتمل القبلة. القصيدة من دون أبيات كاملة هي ناقصة الجمال، وكذلك شفتي الحبيبَيْن من دون بعضهما عشق ناقص. لم أقع على أجمل من هكذا تشبيه وتجسيد لقبلة أو دعوة إلى قبلة بين حبيبين في أي نص سبق أن قرأته، وقد قرأت الكثير.  

أما الليل الذي لا تجوز حالة عشق رومانسيّة إلّا في حضرته فهو “سهران ناطر” والقصيدة بالها غير مرتاح ضائع من دون مفتاح ليأتي البيت التالي ويعرّفنا أن مفتاح هدوء بالها هو في يد الحبيب الذي تدعوه الحبيبة ليقطف تفّاحه. وفي البيت الذي يلي، يتحوّل الشوق إلى خمر، خمر العاشِقَيْن، حيث تدعوه الحبيبة إلى صبّه في كأسين و”ليقفّيها عمرين”. يا لهذا الجمال! حالة العشق الجسدية ممتزجة بقصيدة وأبيات وصور شعرية بعيدًا عن الشهوانية المبتذلة.

والليل “الناطر”، تراه الحبيبة مهمومًا من دون حالة عشق يرعاها، ولا ننسى أن الليل صديق الشاعر فيه تتفتّح قريحته الشعريّة، فتسأل الحبيب أن يكتبها في هذا الليل السهران “الناطر عشّاق يسلّوا نجومو”؛ هذه الحركة المتوازية لحالة العشق وكتابة الشعر هي قمة الشاعرية والجمال والعشق وهذا ما جعلني أغار. ثم تدعو الحبيبة حبيبها “ليشيلوا هي وهو همومو (الليل) عن قلبو”. وهنا تعبير واضح عن دعوة لممارسة الحبّ لكن بصورة شعرية ذكية وجميلة وشاعرية بامتياز تكتمل في آخر بيت، “وكل ما دقّوا القلبين يدوبوا ما يعودوا اتنين”، حيث يصبحان واحدًا. التأثير البيبليّ واضح هنا، إذ في سرّ الزواج يصبح الرجل والمرأة جسدًا واحدًا في تقديس لحالة الحبّ واجتماع الجسدين في الحب وليس الجنس فقط. ينهي حبيب يونس القصيدة بها ربما ليُفهم القارئ والمستمع أنها حالة غرام في القلب والجسد وليست مجرّد حالة عشق جسدية. 

الجميل في هذا النص أن الشاعر تناول حالة العشق الجسدي انطلاقًا من القلب حيث يقبع الحب منتظرًا التعبير عن نفسه. في هذه القصيدة كانت الحبيبة هي المُبادِرة ويبدو أنها تتذوّق الشعر أو أنها هي نفسها شاعرة، فجمعت عشق الشعر والقصيدة وأبياتها بعشق الجسد والقلب وأحواله. وبما أن الكاتب شاعرٌ مرهف الجمال فهو عَكَسَها وتمكّن من إمتاعنا بنصّ بهذه الروعة، فوقعنا في حبّ الشعر وحبّ الحب والعشق. وهكذا في كل مرّة نريد أن نروي غليل هذه الحالة نستمع إلى “اكتبني قصيدة”. 

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *