بكتب اسمَك يا حبيبي عَ جُدرَان الحَمْرَاء!

Views: 1635

محمّد محمّد الخطّابي *

خطر ببال أحد السيّاح العرب القادم من المشرق العربي، خلال أوّل زيارةٍ له لقصر الحمراء، خطر بباله لشدّة إعجابه بهذه المعلمة المعمارية والعمرانية الحضارية الكبرى، أن يخلّد اسمَه واسمَ خليلته على أعمدة وسواري، وجدران قصر بني نصر في غرناطة الحمراء. لم يكن هذا السّائح المُغرَم بالمآثر المعمارية للحضارة الإسلامية فى الأندلس يتوقّع قطّ النتائج الوخيمة التي سوف تؤول اليه عملية إقدامه على نحت اسمه واسم حبيبته على أحد جدران قصر الإمبراطور الإسباني كارلوس الخامس المجاور والمحاذي لقصر الحمراء وحدائق جنّة العريف بمدينة غرناطة.

تعود قصّة هذه الأحداث عندما كان هذا “السائح العربيّ” الواله يصول ويجول فى ربوع الأندلس الفيحاء وفى مدنها وحواضرها وقراها، وبالضبط عندما كان في زيارة لمدينة اشبيلية الاسبانية الغنّاء صحبة كوكبة من السياح العرب الآخرين فى رحلة جماعية منظّمة للديّار الاسبانية، حيث عرّجوا على مدينة غرناطة لمشاهدة إحدى أعظم المعالم التاريخية للمعمار الاسلاميّ في الأندلس وهي معلمة قصر الحمراء وجنّة العريف.

 

نحت الإسميْن

وبعد انتهاء زيارته للقصر العربي الشّهير رفقة زملائه السيّاح العرب، وعند خروجه منه بدأ زيارة قصر الامبراطور الاسباني كارلوس الخامس (1500-1558) المحاذي للحمراء، وهناك خطر بباله، ودارت بخلده فكرة كتابة اسمه واسم خطيبته والبلد الذي ينتميان إليه وتاريخ اليوم الذي كان يزور فيه هذا القصر التاريخي، فقرّر نحت الإسميْن على أحد أعمدته، ليخلّدهما على هذه الجدران، التي تعتبرها منظمة اليونسكو العالمية تراثاً إنسانيا للبشرية جمعاء، كما تعتبرها اسبانيا كذلك معالم تراثية، تاريخية وحضارية بالغة الأهميّة، يعاقب القانون كلَّ من سوّلت له نفسُه اتلافها، أو إلحاق الأضرار بها، بما فيه الكتابة على جدرانها أو أعمدتها أو سواريها، بالسّجن الذي قد تتراوح مدّته بين سنة وثلاث سنوات، بالاضافة الى أدائه لغرامة مالية كبرى حسب جسامة وحجم الأضرار التي قد تلحق بهذه المعالم التاريخية التي ليس لها نظير فى العالم.

ففي اللحظة التي كان السائح العربي مشدوهاً، ومندهشاً، ومبهوراً بما كان يتراءى له من جمال معماريّ أخّاذ، طفق فى نقش اسمه واسم محبوبته على أحد أعمدة القصر، رمقه بعضُ السيّاح الأجانب الذين كانوا بجانبه فأبلغوا حرّاس هذه المعلمة التاريخية الذين حضروا على الفور ومعهم رجال الشرطة حيث ألقوا القبض عليه متلبّسا بالكتابة على الحائط، وتمّ تسليمه للعدالة في مدينة غرناطة التي تباشر البتّ فى مثل هذه الحالات.

 

كارلوس الخامس

تخبرنا كتب التاريخ الأندلسي  أنّ الامبراطور الاسباني كارلوس الخامس، الذي أمر بتشييد القصر المحاذي للحمراء، شَعَر عندما زار أوّل مرّة قصرَ الحمراء بغيرة شديدة من جمالية وروعة هذه المعلمة العمرانية الفريدة، حيث قام بهدْم جزء من “فناء الرّيحان” وقرّر أن يبني له قصراً ضخماً مجاوراً للحمراء يحمل اسمَه، إلاّ أنّ نتيجة هذا البناء كانت كارثية، إذ لا مجال للمقارنة بين قصر بني نصر وقصره، حتى قيل في حقه إنه يؤذي العين لنتوء أحجاره، وخشونة بنيانه، ويجد زوّار قصر الحمراء مباشرة بعد خروجهم منه والاستمتاع برونقه، وبهائه، وجماله قصر الابراطور كارلوس الخامس قبالتهم بأحجاره الصّلدة المدبّبة .وشكله الخشن، وبنيانه النّاتئ .

       ولقد اعتذر السائح العربي المُتيّم للشعب الاسباني وللسّلطات الاسبانية بعد مثوله أمام القضاء في اليوم التالي لالقاء القبض عليه، ثمّ أطلق سراحه في انتظار المحاكمة التي جرت في وقتٍ لاحق، كما صّرح أنه لم يكن على علمٍ بأنّ القانون الاسباني يُعاقب على مثل هذه الأفعال.

 وخلال جلسات المحاكمة بعد ثلاثة أيام من هذا الحادث في احدى محاكم مدينة غرناطة، طالب المدّعي العام الاسباني بعقوبة غرامية فى حقّه قدرها 500 يورو لإصلاح الأضرار التي لحقت بهذا القصر، ولم يكن السائح العربي حاضراً في المحاكمة، حيث تعلّق الأمر بخطأ لم يرتق إلى درجة جنحة حسب القضاء الإسباني في هذا القبيل، اذ لم تكن كلفة الضّرر تتجاوز 400 يورو.

 

السّائح العربيّ

 وحسب الصحافة الاسبانية الجهوية التي تعرّضت لهذا الموضوع الصّادرة في غرناطة منها جريدة : “إيديال”  (IDEAL) فإنّ غير قليلٍ من المواقع الإلكترونية، والصحافية في بعض البلدان العربية فى المشرق العربي كانت قد تعرّضت لهذا الموضوع فى تواريخ متفاوتة، وأكدت أنّ السّائح العربيّ قد تمّت محاكمته ومعاقبته في بلده عند عودته إليها عن هذا الصّنيع اللاّحضاري الذي اقترفه فى قصر الحمراء باسبانيا، وذلك طبقاً للقوانين الجاري بها العمل في بلده إذ كان قد سبق له أن قام بنفس الفعلة كذلك من قبل على جدران أحد المعالم الأثرية المعمارية العريقة فيها!

 ويبدو أنّ الكاتب الأميركي الذائع الصيت” واشنطن ايرفينغ” (صاحب الأعمال الروائية الشّهيرة حول قصر الحمراء) عندما اقترح عام 1829 بأن يوضع كتاب كبير رهن اشارة زوّار قصرالحمراء، كانت الغاية منه ليس تسجيل انطباعاتهم ومدى استمتاعهم بمشاهدة هذه المعلمة التاريخة المعمارية الفريدة وبهذا الإرث الحضاري الشامخ وحسب، بل كذلك بهدف تفادي وقوع مثل ما قام به هذا السائح العربي الهائم، والعاشق، والواله، والشغوف، والمسحُور بخليلته وبقصر الحمراء .!

 (ملحوظة : تجدر الإشارة فى هذا الصّدد أنّ الصّحافة الإسبانية عند تعرّضها لهذا الموضوع تكتّمت عن نشر اسم السّائح العربي الذي أراد تخليد اسمِه إلى جانب اسم خليلته على جدران الحمراء، كما أنها لم تشر إلى البلد العربي الذي ينتمي إليه أو ينحدر منه ..!).

***

(*)كاتب من المغرب.

بهو الأسود أشهر أجنحة قصر الحمراء العربي
Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *