ميشال إده الذي  لا يشيخ … دخل إلى فرح سيده

Views: 399

حبيب شلوق

 فقال له:” نِعِما أيها العبد الصالح الأمين ، أقمتك على القليل فسأقيمك على الكثير. أدخل فرح سيدك”(انجيل الوزنات، متى 25:23 ).

كذا كان ميشال اده الذي عرف كيف يتاجر بالوزنات.

ميشال اده الذي تحدّى المرض طويلاً ، ورحل أمس عن 91 عاماً تاركاً وراءه لبنانه في غرفة العناية الفائقة، كان من المجاهدين الجهاد الحسن. أنعم الله عليه كثير النعم وهو عرف كيف يوظف وزناته من دون منّة ولا تبجّح، وبات بيته في بعبدا ومكتبه ـــ وكم من مكتب ــ ملجأين لكل محتاج.

ولد ميشال اده في بيروت عام 1928 ، في عائلة مرتاحة مادياً، ودرس في مدرسة سيدة الجمهور، ثم في جامعة القديس يوسف حيث نال اجازة في الحقوق عام 1948، والتحق بمكتب غبريال اده ابن كميل اده أحد أشهر المحامين في الشرق، وتخصص في القضايا التجارية والشركات والضمان والعقود التجارية، وتوسّعت أعماله في لبنان والخارج وتحديداً في فرنسا. تزوج من يولا الياس ضوميط وهي أيضاً من عائلة معروفة تجاريا وصناعيا وثقافيا، ولهما أربعة أبناء وإبنة. وأكثر ما كان يُفرح الصديق الوزير ميشال إده عندما كان يتحدث عن أحفاده  ويعدّ أسماءهم ومعظمها أسماء لبنانية مارونية ويضيف: “انت شو عندك؟” ولما يشعر بشيء من “الإحباط” يقول: “انموا واكثروا واملأوا الأرض”، كما تقول الآية.

كان ميشال إده صديقاً حبيباً، وكان رجل ايمان ملتزماً من دون انعزال ، يمارس شعائره الدينية ويحفظ الكثير من الإنجيل، ويفرح بكثرة أصدقائه ويستمتع بكل جديد عندهم، ويزودهم من خوابيه الفكرية والقانونية الكثير الكثير.

وبحكم عراقة عائلته الوطنية ومهنته وجد ميشال اده نفسه في خضم الحياة السياسية، وربطته صداقات متينة ومميّزة مع رجال السياسة وفي مقدمهم الرئيسان الياس سركيس ورينه معوض. وكانت صداقته مع سركيس “تزكزك” في بعض الأوقات “ابن عمي ريمون (اده)”.

وقصة ميشال اده والعميد ريمون اده قصة قربى إذ أن الوالدين كانا أبني عم، وغالباً ما كان أحدهما يذكر الآخر بالإسم الأول من دون تعريف أي ريمون وميشال. أما العميد كارلوس اده إبن بيار (اده)، فهو “متل ولادي.. وأحبه كثيراً”.

تولى ميشال اده الوزارة مرات عدة، ففي 6 كانون الأول 1966 عيّن وزيراً للأنباء (الإعلام) والبريد في حكومة الرئيس رشيد كرامي أيام الرئيس شارل حلو، وفي تلك الفترة توطّدت علاقته بصديقه الياس سركيس. ثم تولى وزارة الإعلام في 25 تشرين الأول 1980 في وزارة الرئيس شفيق الوزان أيام الرئيس الياس سركيس، ووزارة الدولة لشؤون التعليم العالي والثقافة في حكومة الرئيس رفيق الحريري أيام الرئيس الياس الهراوي في 25 أيار 1995 ، ووزارة دولة في حكومة رفيق الحريري في 7 تشرين الثاني 1996 أيام الهراوي أيضاً.

ويروي ميشال اده المميز بسرعة بديهته وخفة دمه ،  أنه زار سوريا مع وفد  وزاري برئاسة الرئيس رفيق الحريري عام 1996 لتوقيع اتفاقات مع الحكومة السورية وقابل الرئيس حافظ الأسد لأول مرة ، ولما سماه الرئيس الحريري خلال التعارف مع الأسد بادره الأخير: “أنا سامع عنّك”. ورد إده تلقائياً:” وأنا كمان…” وفوجئ الجميع بالجواب وضحكوا طويلاً.

وصحيح أن اده لم يكن يعرف الأسد الأب الا أن معرفة جمعته  بنجله الرئيس بشار الأسد، وربطته علاقة “حسنة” به.  وقد يكون تصريحه عن انه سيقف أمام الدبابات السورية لئلا تنسحب أواسط التسعينات سبّب بعض “نرفزة” مع “إبن عمي ريمون (إده)” ، قبل أن يشرح له ظروف التصريح والواقع الأمني القائم.

أما النيابة فلم تدغدغ ميشال إده كثيراً،  وهو رفض عرضاً من الرئيس رفيق الحريري عام 1996 للترشح معاً في بيروت “ضامناً له النجاح”، إلا أنه لم يقبل على رغم كل الوساطات ومحاولات الإقناع لبنانياً وسورياً وفرنسياً.

أما رئاسة الجمهورية فطرح اسم ميشال اده لها أكثر من مرة أولها عام 1982 بعد ولاية صديقه الرئيس سركيس الذي سعى إلى  إن يخلفه هو، قبل أن يقر الرأي على الرئيس بشير الجميل بدعم إقليمي ودولي وبجهود مضنية من مدير جهاز المخابرات العميد جوني عبده. كذلك تم تداول  اسمه للرئاسة في انتخابات 1998 و2007 ثم في 2014. ولعل البروز الأكبر لاسمه كان عام 1988 عندما سماه البطريرك نصرالله صفير مع ابن عمه ريمون اده في لائحة مرشحين طلب منه الأميركيون تسميتها لحل مرحلة الحكومة الإنتقالية.

وميشال اده كان موضع ثقة كبيرة لدى البطريرك صفير الذي لم يتردد خلال ازمة حلّت بالرابطة المارونية عام 2003  في تكليفه برئاستها بموجب قرار بطريركي خطي أصدره وهو في رحلة راعوية خارجية كنت أرافقه فيها. كذلك أسس والبطريرك صفير “المؤسسة المارونية للإنتشار”، وكان لاحقاً  أحد أكبر المساهمين في ترميم كاتدرائية مار جرجس في بيروت على خطى أحد أجداده المساهمين في بنائها.

كذلك كان اده صحافياً وناشراً إذ هو كان عضواً في مجلس إدارة جريدة “الأوريان لوجور” خلال رئاسة الوزير السابق بيار اده لها ثم خلال رئاسة الوزير السابق غسان تويني الذي تولى لفترة رئاسة مجلسي إدارتي “النهار” و”الأوريان لوجور” معاً، ثم تولى رئاسة “الشركة العامة للطباعة والنشر” التي تصدر “الأوريان لوجور” وهو كان طوال أزمة التعثر الصحافي يغطي عجز الجريدة من “اللحم الحي”.

ميشال اده السياسي “الغير شكل”، كان ملتصقاً بلبنان و”متعبداً” للصيغة اللبنانية العدو الأبرز لإسرائيل وللصهيونية ،  متخصصاً في الصراع العربي ــ الإسرائيلي ، مؤمناً  بحق كل فريق لبناني في المحافظة على هويته وتراثه، متمنياً “أن يفهم اللبنانيون “أن الإستمرار في صراعات عقيمة غير مجدٍ في وقت يحتاج فيه لبنان إلى كل أبنائه”، وفق ما قاله عام 2000 لبرنامج “الوجه الآخر” الدي تقدمه الإعلامية الصديقة غابي لطيف من إذاعة “موني كارلو”.

ميشال إده يا صديقي ومديري في “الأوريان لوجور” لسنوات طويلة،  ميشال اده  “الانسيكلوبيديا” كما سماّه الصحافي الصديق والأستاذ ميشال أبو جوده في عموده الثامن من “النهار” عام 1981.

بعض الناس لا يشيخون ولو بلغوا عتياً… وهم “حرام يموتوا”.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *