حَذَارِ الانْزِلاقَ

Views: 353

الأب كميل مبارك

تَكْثُرُ في هذه الأَيَّام رَدَّاتُ فِعْلِ النَّاسِ على الشَّلَلِ في  أَدَاءِ أَهْلِ السُّلْطَة، أَو عَدَمُ مُبَالاتِهِم لِمَا قَد يَحْصلُ مِنْ جَرَّائِه. فالمَشَاكِلُ تَتَرَاكَمُ ويَمُرُّ عَلَيْهَا زَمَنٌ تِلْوَ زَمَن، والحُلُولُ مَفْقُودَة، بَلْ لَيْسَ مِنْ بَارقِة أمَل في أنَ يهَتَمَّ أحَدٌ بمِا يطَلُبُه النَّاسُ أَو بِمَا قَدْ يَتَعَرَّضُونَ لَهُ كَنَتيجَةٍ لِعَدَم المُبَالَاة.

باتَ اللبُّنَانيّون لا يطُالبونَ بما اعْتَادَتِ الناَّسُ أن تطَلُبَه في مَجَال الإِنماءِ وفُرَص العَمَل وتحَقيق العَدَالَة والمُسَاوَاة وضَمَان الحُرِّياَّت، أوَ مَا شَابَه مِنْ مَطَالب نسَمَعُها دَائمًا مِنْ أفواه الشُّعُوب المَقْهُورَة أوَ مِنَ المَجْمُوعَاتِ البَشَرِيةَّ المَكْسُورَة التَّي حَكَمَ علَيْها الجَهْلُ والتَّخَلفُّ بأن تحَظى، أو قُلْ أن تأَتْي بحُكَّام غَابتَ الحِكْمَةُ عَنْهُم وتاهَت المَسْؤُوليّةُ في مَسَارهِا عَنْ طرَيقهِم. لَقَدْ وَصَلَ سُوءُ الحَال في هذا المُجْتَمَع الذَّي يتَغَنَّى بتَاريخِه الطوَّيل العَريض، بأن تمَلأ النُّفَاياَتُ سَاحَاتهِ وطُرُقاَتهِ ومَجَاري أنَهْارهِ وزَوَاياَ غَابَاتهِ، مَا يُهدِّدُ بكَوَارث بيئيَّة وصِحِّيَّة، وغَدَا مَطْلَبُه الوَحيدُ أوَ البَدهيِّ  أو الأسَاسُ: إرْفعوا عَناَّ النُّفَاياَتِ ومَا عَدَاهُ لا قيمَةَ لَهُ لأنّنا اعْتَدْناَ الشِّحَّ والتَّقنين، أمَّا نتَانة الهَوَاءِ وخُطَبُ الهُرَاءِ، فلاَ.

أَجَل، لَقَدْ شَكَّلَتْ مَسْأَلَةُ النُّفَايَاتِ بِدَايَة انْتِفَاضَةٍ واتَّسَعَتْ حَتَّى دَبَّتِ الفَوْضَى وتَشَعَّبَتِ المَطَالِبُ واحْتُلَّتِ الوِزَارَاتُ ونُودِيَ بالاسْتِقَالات، ولمْ يَسْأَلْ أَحَدٌ عَنْ أَسْبَابِ هذه الشَّرَارَةِ النَّتِنَةِ سَبَبًا وهَدَفًا، حتَّى بَدَأَتْ تَتَسَرَّبُ إلى وَسَائِلِ الاتِّصَالِ مَعْلُومَاتٌ، تُنْذِرُ إنْ تأَكَّدتْ، بِخَطَرِ كَمِين وتُبَشِّرُ بانْفِلاتٍ دَفين، وبَدَأَ الكَلامُ عَن تَدَخُّلاتٍ خَارِجِيَّةٍ وتَمْويلٍ مَشْبُوهٍ ومُشَارَكَةٍ مِنْ عُمَلاءَ ومَا إلَيْكَ مِنْ فَضَائِحَ سَوَّدَتْ  صُورَةَ الحَرَاكِ الَّذي دَفَعَت انْطِلاقَتُهُ الأُولَى كَثيرًا مِنَ النَّاسِ الَّذينَ أَقْلَقَهُم الوَاقِعُ وطَفَحَ كَيْلُهُم واشْتَدَّ قَرَفُهُم فَتَحَرَّكُوا إلى الشَّارِعِ يُطَالِبونَ بِمَا يُمَكِّنُ المُوَاطِنَ مِنْ أَنْ يَتَنَفَّس.

أَمَّا وقد شَاعَتْ أَخْبَارُ التَّدَخُّلات، فَقَدْ تَرَكَ كَثيرونَ هذا الحَرَاكَ وعَادُوا إلى يَأْسِهِم مِنْ إمْكَانِيَّةِ الإصْلاح، وبخَاصَّةٍ أَنَّ الشِّعَارَاتِ الَّتي ارْتَسَمَتْ في الطَّريق إلى السَّرَاي وعلى شَاشَاتِ التَّلْفَزَة، بَدَأَتْ تُنَمِّي الأَحْقَادَ وتَنْفُخُ في نَفيرِ العَدَاوَة، وكَأَنَّ أَمْرًا كَريهًا يُحَضَّرُ في السِّفَارَاتِ ويَنْفُثُ سُمُومَه في السَّاحَاتِ والطُّرُقات.

وهُنَا أَسْأَل:

 هَلْ تَسَاءَلَ المُتَظَاهِرونَ مِنْ أَيْنَ أَتَتْ كُلُّ هذه النُّفَايَات؟

وهَلِ المُشْكِلَةُ في المَطَامِرِ والسَّرِقَات؟

 هَلْ غَرِقَتِ الحُكومَةُ في دَهاليزِ المَنْفَعَةِ فلَمْ تَعُدْ نَافِعَة؟

هَلْ تَذَكَّرَ المُتَظَاهِرونَ وقَادَةُ البِلادِ أَنَّ سُكَّانَ لُبنان ازْدادوا مَلْيُونَي خَليقَةٍ في سَنَةٍ وَاحِدَة؟

وهؤُلاءُ أَتَوا مع نِفَايَاتِهِم وأَمْرَاضِهِم ومَصَائِبِهِم وهَرَبِهِم وخَوْفِهم وجُوعِهِم وحَاجَاتِهِم وضَآلَةِ مَوَاردِهِم، وبالتَّالي بَاتُوا مَخْزَنًا وَاسِعًا ومُهيَّأً لاسْتِغْلالِ أَيَّةِ فَوْضَى قَدْ تَعُمُّ البِلاد؟ هذه المَجْمُوعَاتُ البَشَرِيَّةُ الَّتي تَلِدُ كُلَّ سَنَةٍ أَرٍبَعينَ أَلْفَ مَوْلُودٍ في المُخَيَّمَاتِ والمُسْتَشْفَيَاتِ وهي في مُعْظَمِها مِنَ الشَّبَابِ القَادِرينَ على حَمْلِ السِّلاحِ والاسْتِفَادَةِ مِنْه في جَميعِ مَجَالاتِ الرَّذالاتِ إذَا مَا سَمَحَتْ لَهُم الفَوْضَى وانْفِلاتُ الأَمْن، فيُحَوِّلُونَ بِلادَنا إلى غَابٍ مِنَ الذّئَابِ، وشَبَابُنَا يَتَلهَّى أَو يَنْسَاقُ خَلْفَ مُؤَامَرَاتٍ رُبَّمَا تُحَاكُ لِزَجِّ البِلادِ في فَوْضى ربيعِيَّةٍ، وَقَانَا الله مِنْها ومِنْ مُدَبِّريها.

فيَا أيها المُوَاطِنُونَ الذَّينَ أشُاطِرُكُم كُلَّ مَا يجَري، أنُاَشِدُكُم تنَبَّهُوا واسْتَفيقُوا وتذَكَّرُوا واعْتَبرِوا، واعْلَمُوا أنَهَّ إذا التقَيْنا جَميعًا على أحَقِّيةَّ المَطَالبِ، فإنَّ الشَّيْطَانَ يتَرَبّص ليِحرفَ كثيرين عن قصَدهِمِ، ويمَيلَ بهِم إلى أسَاليبَ قتَّالَة مُدَمِّرَة تحَتَ سِتَار المُطَالَبَة بتَحْقيق المَطَالبِ التَّي يُجمِعُ اللبُّنَانيون عَلَيْها. فحَذَار السُّقُوطَ، لأنَّ الهَاويِةَ سَتَكُونُ عَميقَة.

(تشرين الأول  أُكتوبر، 2015)

***

(*) من كتاب “حين يكثر الحصرم” (2018)، يتضمن افتتاحيات الأب كميل مبارك في مجلة “الرعية” بين 2007 و2017.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *