“جورج طربيه بأقلام عارفيه”
سليمان يوسف إبراهيم
في كتاب، “جورج طربيه بأقلام عارفيه”، ما يروقك ويدفع بك للدُّخول إلى مرتع روضه، فتزرعه ذهابًا وإيابًا، لتغوص خلف درره عمقًا، سابرًا أغواره السّحيقة، آملاً بالإستزادة تعمُّقًا، هادفًا إلى التّعرّف إلى ما اختزن فكره، معرفةً حقّة بشعره وأدبه، عبر أقلام العديد من أصحاب الفكر النّير، الذين تحدثوا عنه، بطيب مقالٍ نثرًا، أو برونق قصيدٍ شعرًا، في هذا المؤلَّف التّوثيقي، حول نتاجاته ومسيرته الفكريّة والتّربويّة الَّتي جعلت منه مرجعًا موثوقًا للحركة الثّقافيّة العربية.
فمن “الــمارد”، قصيدة أَمينة المريني الّتي علّقها الموثِّقُ على باب الكتاب، وهي ردٌّ على طربيه شاعر “المُلتقى الثّاني لعكاظ وجدة الشِّعري” مفتتحًا في مارس1988؛ وهي تردّ على قصيدته “يا علاء الدَّين نادِ الرَّاقدين”. إلى كلام الشّاعر د.علي باز في قصيدته “القدس”، التي رأى إليها “أُمّ القصائد المَقدسيّة” “لأنّ شعره يعرف كيف يشفّ في مقامات التّعبير ويعرف كيف يقيم في مقامات التّأثير…” مرورًا بكلمة ٍ من رامز خليل سركيس، الّذي رأى في الشّاعر شاعرًا حذقًا في وصل القديم بالحديث، وصلاً جزيل الإتقان”…
***
كما أنّ الدكتور وجيه فانوس يكلّل “حديقة الرّخام” القصيدة الملكة في مجموعة طربيه الأخيرة، بدراسةٍ ألسنيّةٍ تتبّعًا لكشف جمالاتها المكنونة… إضافةً إلى مقابلةٍ إذاعيّة عبر أثير “صوت لبنان” يتناول فيها شِعره قيمًا ومحاورًا…ناهيك إلى ظروف تأسيس ثانوية بلدته تنورين. إضافة إلى دراسة الدكتورة مهى جرجور حول “شهادات أمام محكمة القرن” في جزئها الثّامن، حيث تجد أنّها “مواجهةٌ مع التّاريخ، يحمِّلها الشّاعر دعوةً إلى تحديد الخيارات وتحمُّل المسؤوليات تجاه الله وظلّه:لبنان”.
وفي الكتاب أيضًا توثيقٌ للكلمات الّتي قيلت في جورج طربيه يوم احتفت بلدته تنورين، به وبشعره بدعوةٍ من رئيس بلديتها الدكتور منير طربيه، أُقيم له في القصر البلدي؛ وقد تضمّن الإحتفال كلمات بالمحتفى به من سفيرة بريطانيا آنذاك فرانسيس ماري- غاي، الوزير والنّائب بطرس حرب، السّفير رياض القنطار، الدكتورة كلوديا شمعون أبي نادر شمعون رئيسة مجلس الفكر في لبنان.
***
وتكرّ السُّبحة طويلاً بدءًا بكلمة المطران جورج خضر، كلمة د. دياب ينس في قصيدة “سألتُك”، وقصائد في البروفسور بتهانٍ… تقديرًا على نتاجاته من الشّاعرة صباح الأسطه ناصر، د.مهى جرجور، الشّاعرة فدوى نعمةالله طربيه، فكاتيا الطّويل، ود.عبد الواحد لؤلؤة، إضافةً إلى آخرين…
ناهيك إلى دراسةٍ مستفيضةٍ بقلم الأستاذ نظمي المعلوف تحت عنوان “الحرب اللّبنانيّة وانعكاساتها على شعر جورج طربيه” بالإستناد إلى “شهادات أمام محكمة القرن” و”زائرة اللّيل اللَّيلكي”. كما تصادفك في هذا الجزء أيضًا ترجمتان لقصيدتين إثنتين، إلى الألمانيّة، من وضع الدكتور خالد الزّعر… وترجمة لــ “حديقة الرّخام” وقصائد أُخرى إلى الفارسيّة موثّقة بالصّور… وصولاً إلى دراسةٍ بقلم العميد إِيليّا فرنسيس حول نشيد الجامعة اللّبنانيّة الّذي وضعه البروفسّور طربيه. متابعةً مع الدكتور بيار دكاش الّذي يرى إلى الشّاعر على أنّه “رجل الرّمز والشّاعر الملهم والفيلسوف الذي لايكتفي بكتابة التّاريخ بل يصنعه”. وقصيدة من فاطمة عارف مشيك إلى الشّاعر بعنوان “خفقات مُحبَّة”، أذكرُ منها: “إِنّي ذكرتُ من الخِصالِ قليله/فلأَنتَ “جورجُ” مجامِعُ الآياتِ”. وكلمة حول “زائرة اللّيل..” بقلم د.آسيا قيس، فأُخرى بقلم د. هاشم الأيّوبي، الّذي يجد في جورج طربيه أنّه “شاعرٌ مُجلٍّ في شعر التَّفعيلة، ويضوعُ شِعرًا في كلِّ ما كتب”. وأَطوي الرَّوض الغنّاء، على رسالةٍ من الأمينة العامّة للجنة الوطنيّة في الأُونيسكو سلوى السّنيورة بعاصيري،بمناسبة قبول المؤسّسة رعاية مهرجان الشّعر العربي من سبعين شاعرًا من الأقطار الشّقيقة،بتنظيم من البروفسور طربيه نفسه. ويختتم الكتاب بدراسةٍ حول “جماليّة الإيقاع في شِعريّة جورج طربيه” بقلم البروفسور الدكتور عبد الملك مرتاض.
***
من أهم ما ركّز عليه النقّاد والدّارسون لفكر البروفسّور طربيه أمران بارزان: خاصيّة سيرته الذّاتيّة المتلونة بغيريّةٍ صادقةٍ، بالنِّسبة إلى ما كان له من مساهمات تأسيسيّة أو مشاركاتٍ فعّالة في بناء الحياة الثّقافيّة وتنظيمها في العديد من المجالات، لِما فيه إنماء الحياة الفكريّة على أكثر من صعيد وفي أكثر من مجال محقِّقًا في ما أنجز أفضل النتائج على الصعيدين التّربوي والثّقافي، رّغم معاكسة رياح الهدم لإرادة البناء الّتي فطر عليها ونمت عنده بالتَّمرّس.
أمّا الأمر الثّاني، فكان على الصعيد الأدبي- الشعري في دراسة نتاجاته، التي تمحورت في تحليل أصحابها انطلاقًا من أربع:الذّكرى والطّفولة، أثر المرأة في حياة الشّاعر- المفكّر، البعد الفلسفي الصّوفي في نتاجه والبعد الوطني السّياسي في كل ما دبّجت يراعه.
