غياب البروفسور جورج طربيه

Views: 2003

غاب مساء الثلاثاء 28 كانون الأول 2020 البروفسور جورج طربيه “ابن  بلدة تنورين منبته. ومن شموخ أرزها شموخه. علم من أعلام الجامعة اللبنانية علما وثقافة. وقبل ذلك وبعده ترى فيه النبل الوطني الملتزم، وأخلاق المترفع عن الصغائر”، كما وصفه رئيس الجامعة اللبنانية الأسبق د. عدنان السيد حسين وأضاف في احتفال تكريمي له: “الأستاذ الدكتور جورج طربيه، الباحث الموسوعي في العربية وآدابها. إبن الجامعة وأستاذها منذ خمسين عاما. طبع إسمه على صفحات نضالها من خلال موسوعتين واحدة علمية وثانية ثقافية. اليوم يكمل موسوعته الثقافية في أربعة وعشرين جزءا، ويتحفز لإنتاج مزيد من العلم والفكر. 

لا يكل ولا يمل هذا الأستاذ المتفرغ، المتبتل بالقيم. هو راسخ في ضمير جامعتنا، كيف لا وهو مؤلف نشيد الجامعة؟ ولأن الجامعة متصلة بالمجتمع الوطني، كان رئيس الملتقى الثقافي للحوار اللبناني-العالمي، ورئيس مجلس أمناء تجمع البيوتات الثقافية. وفي كل ما عمل ويعمل، ظل راقيا ومدافعا عن الثقافة.

رشحته رئاسة الجامعة اللبنانية لعدد من الموسوعات العالمية التي تعنى بالأرقام القياسية بعدما تحدثت عنه تلك الموسوعات عشرات المرات.

إن الأوسمة التي حملها الدكتور جورج طربيه، وبينها وسام الاستحقاق اللبناني على أهميتها قد لا تعادل القيم الحضارية التي يجسدها.
هو الشاعر في عشر مجموعات شعرية، وبعضها ترجم الى الفرنسية والإنكليزية والإسبانية والألمانية والبولونية والفارسية. بكلام آخر، هو صورة من صور لبنان الجميلة التي أغنت العرب والعالم.

هو المشرف على عشرات، بل مئات الرسائل والأطاريح الجامعية، والمتابع لعشرات الآلاف من الطلبة خلال مسيرته التربوية التي بدأها مديرا لثانوية تنورين مذ كان يافعا.

تفاعل مع المجتمع المدني من تجمع لجان الأهل في بلاد جبيل إلى نقابة المدارس الخاصة فكان مؤسسا ومستشارا تربويا.

عرفته الصحافة اللبنانية ووسائل الإعلام كاتبا ومحاضرا ملتزما قضايا وطنه، له ولعائلته كل التقدير والمحبة.
ما أحوجنا اليوم إلى إعادة قراءة هذه السيرة النضالية لتحفيز الشباب اللبناني على الانخراط في جيش المثقفين الجامعيين، جيش الجامعة اللبنانية والتعليم العالي”.

 

***

 

عهد

سلمان زين الدين

(مهداة إلى البروفسور جورج طربيه)

 

لِتنّورينَ في الميـــدانِ عَهــْــدُ

                    بأنْ تبقى على الصّهواتِ تَحْدو

فيخترقُ الزّمانَ صدى صهيلٍ

           وتقتحـــمُ المكــانَ الوعرَ جُرْدُ

وتنّورينُ تملأُ كلَّ دنيـــــــا

              وَتَشْغَـــلُ كلّ ما في الناسِ بعدُ

وتُمطِرُ حكمةً في كلِّ فصلٍ

               فيختصــرُ المدى برقٌ ورعدُ

وتُشعِلُ في خمائلِنا عطورًا

               على أنغامِـــها يَهْتــَـزُّ وَرْدُ

وتُطلِقُ في عشايانا نجومًا

                 تُشِعُّ فيزدهي في البالِ سَعْدُ

***

وتنّورينُ خاتِمَةُ الحكايا

                   على أحداثِها ينسابُ سردُ

على شُرُفاتِها تختالُ حُورٌ

                على أبوابِها تَصْطَفُّ أُسْدُ

وإنْ رُحْنا نَعُدُّ ذُرى بَنيها

                رأيْنا أنّها ليسَتْ تُعَـــــــــدُّ

وَمِنْهُم في عشيّتِنا أميرٌ

                   أديبٌ، شاعرٌ، يَشْدو وَيَشْدو

يُعتِّقُ في خوابيهِ القوافي

                 فَتَسْكَرُ خمرةٌ، وَيَبوحُ رَنْدُ

ويَقطِفُ نحلُهُ منْ كلّ روضٍ

             ويَصنَعُ شهدَه ُويَطيبُ شَهْدُ

وكمْ نبتَتْ على يدِهِ أيادٍ

                   وأينعَ، في مدى عينيْهِ، مُرْدُ

وكمْ نسجَتْ يَراعتُهُ جَمالاً

                يُقصِّرُ دونَهُ درسٌ ونقدُ

فيا جورجُ الحبيبُ كفاكَ فخرًا

          بأنّكَ واحدٌ في الناسِ فَرْدُ

وَحَسْبُكَ أنّكَ النَّجمُ المُجَلّي

               يُشِعُّ الضَّوءُ منْهُ آنَ يَبْدو

***

 عَرَفْتُكَ مُنْذُ كانَ العودُ رَخْصًا

            وكانَ العمرُ حُلمًا لا يُحَدُّ

        وأنتَ تُنضِّدُ الكلماتِ دُرًّا

                وللكلماتِ في شفتيْكَ نَضْدُ

        وتَنثُرُها على الأسماعِ زَهْرًا

            فَيُزهِرُ حولَ جِيدِ النَّثرِ عِقْدُ

        وَيَصْحو سامعوكَ على بَيانٍ

             هوَ السِّحرُ الذي يُمْسي وَيَغْدو

***

وحينَ ازدانَ بالأقمارِ شَعْري

            وأصبحَ بينَنــــــا خبزٌ وَوُدُّ

         رأيْتُكَ مبحرًا شِعرًا ونَثرًا

               ولا يَثنيكَ عنْ مسعاكَمَـــدُّ

         وتُمعِنُ في مهبِّ البحرِ صَيْدًا

           وهلْ يَحْلو بلا الإبحارِ صَيْدُ؟

         وَتَحصُدُ في حقولِ الرّيحِ كُتْبًا

          فَيَغْوى بيدرٌ ويَتيهُ حَصْدُ

         فأنتَ على ذُرى الإبداعِ سَيْفٌ

          لَهُ منْ فتنةِ الكلماتِ غِمْدُ

        وأنتَ سَحابةٌ تَنْهَلُّ بَرْدًا

              فَيَهْمي فوقَ أرضِ العُرْبِ بَرْدُ

 ***

تَهُلُّ على بني قحطانَ حينًا

            وأحيانًا على عدنانَ تَجْدو

        تِهامةُ تجتدي منْ فيكَ شعرًا

           ونثرًا تجتدي من فِيكَ نَجْدُ

       وإنْ صَدَّتْكَ بعضُ ديارِ شرقٍ

           تُيمِّمُ شطرَ غربٍ لا يَصُدُّ

       وتَبذُلُ في التَّغرُّبِ كلَّ جُهْدٍ

             لِيُشرَقَ في سماءِ الشَّرقِ جُهْدُ

***

ولبنانُ الجميلُ تَراهُ خْلْدًا

                 وأينَ منَ الجمالِ البِكْرِ خُلْدُ؟

       وَتَعْشَقُ أرضَهُ جبلاً وسهلاً

               كأنَّكَ أنتَ للمعشوقِ بُرْدُ

       كأنَّكَ في السُّهولِ الفِيحِ سهلٌ

            كأنَّكَ في الجبالِ الشُّمِّ طَوْدُ

       وأنتَ صديقُنا في كلِّ حالٍ

                وَيَجْمَعُ بينَنا حُبٌّ وَوَجْدُ

أنا أفدي الصَّديقَ بِنبضِ قلْبي

            وَأَحفَظُ عَهْدَهُ والعَهْدُ عَهْدُ

      أصونُ صداقتي بِرموشِ عيني

             وأرعى ذمّتي والوعدُ وَعْدُ

      ستبقى في جفونِ العينِ رَمْشًا

               إلى أنْ يُلحِدَ الأجفانَ لَحْدُ

***

(*) أُلقيت في تكريم البروفيسور الشاعر جورج طربيه، في مقرّ “اتحاد الكتّاب اللبنانيين”، في 31 / 3 / 2017

 

تنورين
Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *