فتنــــة الشعـــر*

Views: 394

 سلمان زين الدين

 

أدْرَكَتْني مُذْ كنْتُ نَهْرًا غَريرا

فتنةُ الشِّعرِ فَاحْتَرَفْتُ البُحورا

وَامتطيْتُ الأمْواجَ مِثْلَ شِراعٍ

يَتَهادى على العُبابِ أميـــــرا

وَعَبَرْتُ الأغْوارَ والغَوْرُ يُغْري

بِلُقًــى فيهِ تَسْتَحِقُّ العُبـــــــورا

وَسَرَقْتُ النِّيـــرانَ نـــارًا فَنارا

وَقَطَفْتُ الأنــْوارَ نورًا فَنــورا

وَبَنَيْــتُ القَصــائِدَ الغُرَّ منْــها

فَتَباهَتْ، على الزَّمانِ، قُصورا

تَوَّجَتْنــي غُرُّ القَصـــائِدِ نَجـْمًا

وَاصْطَفَتْنــي الى النُّجومِ سَفيرا

***

مُذ ْعَرَفْتُ الجَمالَ أدْرَكْتُ أنّي

سَأُغَنّيــهِ آسِــرًا وَأسيــــــــــــرا

سَحَرَتْنــي أحْوالُهُ وَالمَقامـــاتُ

 وَزادَتْنــي في لَظـــاهُ سَعيــــرا

فَإذا ما غَنّيْتُــهُ فَكَّ أســْـــــري

وَغَــدا، بَعْدَ سِحْـرِهِ، مَسْحورا

غِبْــتُ فيهِ عنِ الوُجــودِ زَمانًا

فَاسْتَحــالَ الغِيابُ فيهِ حُضورا

ثمَّ أفْرَدْتُ لِلأثيــرِ جَناحــــــي

فَتَوَلّـــى مِنَ النُّجـومِ الأثيـــــرا

وَقَطَفْتُ الرَّحيقَ مِنْ كُلِّ رَوْضٍ

وَرَحيــقُ الرِّياضِ يُغْري القَفيرا

وَنَظَمْــتُ البَيـــانَ عِقْــدًا فَريــدًا

وَنَثــَـرْتُ البَديــــعَ دُرًّا نَثيــــرا

وَحَجَبْـتُ الجَمالَ في بَيْتِ شِعْرٍ

فَتَجَلّـى، على الحِجابِ، سُفورا

***

مُذْ شَهِــدْتُ الجَمــالَ أشْهَدُ أنّي

ما تَهَيَّبْــتُ، في هَـواهُ، الخَطيرا

أعْبـُـدُ النُّــورَ في صَقيلِ المَرايا

وَأرى خَلْفَــهُ العَلِــيَّ المُنيــــرا

وَأرى الواحِـدَ الجَميــلَ كَثيــرًا

في البَرايـــا، نَعَــمْ أراهُ كَثيــرا

غيـرَ أنّ الكَثيــرَ يَعْكِسُ صَوْتًا

لِوَحيــدٍ صَداهُ يَطْوي العُصورا

ما الجَمــالُ الأرْضِيُّ إلاّ ظِلالاً

لِسَمــــاءٍ أهِلّــــةً وَبــــُــــــدورا

أتَقـَـرّاهُ في ابْتِســــامَةِ طِفــْـــلٍ

فَأرانــي أعودُ طِفــْلاً صَغيــرا

أتَمـَلاّهُ في عُيــونِ العـــَــذارى

تُطْلِقُ السِّحْرَ في الفَضاءِ طُيورا

وَأراهُ يُطِـــلُّ مِنْ رَمْــشِ جَفْــنٍ

كادَ منْ فَرْطِ حُسْنِهِ أنْ يَطيــرا

وَأراهُ يَنـــامُ في عَيـــْـــنِ نَــوْرٍ

حِيْنَ يَصْحـو يَغْدو المَنامُ عَبيرا

وَأراهُ يُقيـــــــمُ في قَلـــْـــبِ أُمٍّ

جَعَلَتْــهُ لِكُلِّ طِفـْـلٍ سَريــــــــرا

فَأصــوغُ الرُّؤى الجَميلةَ شِعْرًا

سَوْفَ يَبْقى، على الزَّمانِ، نَضيرا

***

يا أوانَ الجَمـــالِ كـَـمْ مِنْ أوانٍ

سَوْفَ يَمْضي وَأنْتَ تَأبى القُبورا

وَتُقيــــم ُالأعـْــراسَ في كــُلِّ أيْنٍ

كانَ بِالعـُـرْسِ وَالعَروسِ جَديـــرا

مِثْــلِ “عالَيـْـهِ” العــَريقـَـةِ إسْمـــًا

وَمُسَمًّــــى وَدَوْحــَــةً وَجـُـــــذورا

فَـ”عـَـروسُ المَصايِفِ”،اليَوْمَ، تَزْهو

بِالضُّيــوفِ الكِبارِ عَزُّوا نَظيــرا

يَمَّـــموا شَطْـــرَها، وَأمُّوا ذُراها

فَتَعــالَتْ بِهِــمْ ذُرًى وَشـُـــطورا

***

وَ”البُيوتـــاتُ” كَمْ تُنيــرُ الدَّياجــــي

       مِنْ زَمـــانٍ، وَتَطـْــرُدُ الدَّيْجـــورا (2)

رُبــْـعَ قَرْنٍ مِنَ الرَّبيــــعِ وَتَبْقــــى

لمْ يَزِدْهــا الزَّمـــانُ إلاّ زُهــــورا

تَعِبَــتْ صَخـْـرَةُ الثَّقــافـَــةِ مَنْــها

وَهْــيَ تَرْقــى بِها، تَرومُ النُّسورا

وَبِها، اليَوْمَ، يُصْبِحُ العُرْسُ أحْلى

وَيَصيــرُ العَسيــرُ أمْرًا يَسيـــرا

***

وَالعَريسُ الكَبيــرُ جورجُ المُفَدّى

     يُشْعِلُ العُرْسَ شاعِــرًا وَكَبيــــرا (3)

هُوَ ما زالَ يَبْذُرُ الحُبَّ في الأيـــْنِ

فَيَـــرْعــى الأوانُ تِلـْـكَ البُــــذورا

وَتَصيــرُ المَواسِمُ الخُضْــرُ أغْنى

وَيَكــونُ الحَصـــادُ جَمًّــا وَفيـــرا

وَإذا راعـَـهُ افْتــِراقُ ضِفــــافٍ

راحَ يَبْني بَيْنَ الضِّفافِ جُسورا

***

يا جُسورَ الضِّفافِ أهْلاً وَسَهْلاً

وَلْيَدُمْ ظِلُّــكِ الحَريرُ حَريــــــرا

مُذْ وُجِدْنـا، نَبْني الجُسورَ وَنَبْقى

نَزْرَعُ النُّــورَ، نَحْصُدُ التَّنويــرا

إنّ نَهـْرَ الحَياةِ يَأْبى ضِفافـــــــًا

تَحْتـَويــهِ، وَيَعْشَــقُ التَّغييــــــرا

وَأنــا مِثْلُـــــهُ إبـــــاءً وَعِشْــــقًا

وَهُـــدوءًا وَثــَـوْرَةً وَهَديـــــــرا

***

*أُلقيت في نادي عاليه الثقافي في 10/9/2017 بمناسبة منحي جائزة “تجمّع البيوتات الثقافية” في لبنان.

   1- البيوتات القافية في لبنان.

   2- الشاعر البروفيسور جورج طربيه.

  

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *