البداية منذ عشرينات القرن الماضي «إسرائيل» تستثمر النفط والغاز… ولبنان ينتظر

Views: 84

يحيى جابر

حضرت «الثروة النفطية» و«الغازية» في المياه اللبنانية المحاذية لفلسطين المحتلة («إسرائيل») مادة أساسية في البيان الوزاري للحكومة اللبنانية الجديدة، وقد أكدت أن «الحكومة ستحافظ على المكتسبات التي تحققت حتى الآن، من خلال صمود الدولة اللبنانية في المفاوضات من أجل الحفاظ على حقوق لبنان الكاملة في هذه الثروة، ومع ادراكنا اطماع العدو الاسرائيلي في محافظة التعدي على جزء من هذه الثروة، واستغلالها، سنعمل على التصدي لهذه الاطماع، وصولاً الى ترسيم عادل لحدودنا البحرية يحفظ للأجيال اللبنانية ثروتها وحقوقها…

وفي الموازاة، قال البيان «سنعمل على تسريع مسار التنقيب عن الغاز والنفط في مياهنا، لأن هذه تشكل دعامة مهمة لاقتصادنا في المستقبل…».

على خلفية وجوب معالجة الازمة المالية وبسرعة، فقد أكد البيان الوزاري «وجوب حماية أرضنا وثرواتنا الطبيعية ومنها الغاز والنفط…» وستكون الحكومة اللبنانية «حريصة على صون الامانة…» وهي تعرف جيداً «مواقع القوة والضعف» في هذا البلد.. وتستوحي في سياستنا هذه، خطاب القسم لفخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون.. مؤمنين بأن لبنان قوي بوحدة شعبه وقدراته والتفاف أبنائه حول جيشه الوطني…».

ظن عديدون، ان مسألة النفط والغاز في التربة والمياه اللبنانية هي وليد الساعة، او السنوات القليلة الماضية، لكن ما أشارت اليه جريدة «الجريدة» برئاسة الاستاذ جورج سكاف في عددها الصادر في 11 شباط 1953، أكد بما لا يدع مجالاً للشك، ونقلاً عن علماء، «وجود البترول في تربة لبنان…».

 

غابت ثم عادت

غابت المسألة لعقود من الزمن… الى ان عادت الى الوجود من جديد… ويتفق الجميع على ان المخزون النفطي على الحدود اللبنانية – الفلسطينية، صاحبه خلاف لبناني اسرائيلي… فبعد سرقة الارض والمياه، أعدت اسرائيل العدّة لسرقة نفط لبنان وغازه… وهي بدأت تستثمر في النفط منذ أواخر العام 2016… بعدما استولت على حقول للغاز الطبيعي قبالة سواحل المتوسط، وعلى مساحة تقدر بحوالى الـ75 ميليبريا، غرب رأس الناقورة، جنوب لبنان، وكذلك نقل حقل غاز «تمار» الذي يقع على مساحة 35 ميلبحرا – غرب المنطقة عينها… وتأمل اسرائيل، ان يحولها حقل «لبڤياثان» الى دولة مصدره للغاز حيث تقدر مخزونات النفط بما لا يقل عن 535 مليار متر مكعب من الغاز… أما حقل «ثمار» الذي يحوي حوالى 233 مليار متر مكعب من الغاز، فيقع على بعد 130 كلم قبالة ساحل حيفا المتوسطي، ويعتبر من حقول الغاز الواعدة التي اكتشفت في السنوات الاخيرة الماضية في تلك المنطقة.

في شباط 1953 نشرت «الجريدة»، على صدر صفحتها الاولى، مانشيت من ثلاثة أسطر توزعت بين العناوين التالية:

1- رئيس الجمهورية يدشن عمليات التنقيب عن البترول في البقاع.

2- العلماء يؤكدون وجود البترول في تربة لبنان.

3- عمليات الحفر تصل الى عمق 2300 متر.

السؤال الذي يتبادر الى الذهن، خلاصته كيف بدأ الاهتمام بمسألة النفط والغاز في الدولة اللبنانية ومتى وأين؟!

 

البداية منذ العشرينات

يؤكد خبراء واختصاصيون متابعون ان الاهتمام بمسألة النفط والغاز في الدولة اللبنانية بدأ في عهد الانتداب الفرنسي، عندما أصدر «المفوض السامي» الفرنسي هنري دو جوفينل العام 1926 تشريعا اجاز فيه التنقيب عن مناجم النفط والمعادن واستثمارها واستخراجها..

في العام 1930، حاولت الحكومة اللبنانية برئاسة اميل اده، استخراج النفط، لكنها لم تفلح، حتى جاء العام 1946، فحفرت «شركة نفط العراق» IPC بئراً في تربل… وفي العام 1953 تم حفر بئر في يحمر، وبين عامي 1960 و1961 قامت شركة المانية بحفر بئر في عدلون. وفي العام 1963 حفرت شركة ايطالية بئرين في البقاع، كما في عبرين. (Zolpidem) وفي العام 2002 تعاقدت الحكومة اللبنانية مع شركة «سبكتروم» الانكليزية التي قامت بإجراء مسح ثنائي الابعاد للساحل اللبناني، حيث توقعوا وجود فعلي للنفط والغاز… تماماً كما حصل مع شركات عدة، أشارت الى احتمال وجود كميات تجارية من النفط تصل الى 50 في المئة ومخزون يصل الى 8 مليارات برميل. وفي العام 2010، أعلنت شركة «نوبل» الاميركية للطاقة عن وجود «حقل هائل» للغاز يسمى «ڤيتان» يحوي ما لا يقل عن 16 تريليون قدم مكعب في منطقة بحرية تقع قبالة الشواطىء اللبنانية والقبرصية والفلسطينية.

يتفق الجميع، على ان المخزون النفطي على الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة (الكيان الاسرائيلي)، صاحبه خلاف لبناني – اسرائيلي… وبعد سرقة الارض والمياه، أعدت اسرائيل العدّة لسرقة نفط لبنان وغازه… وقد تضمنت التقديرات في 8 نيسان 2012 عن مخزون لبنان من النفط والغاز.

تستثمر «اسرائيل» في النفط منذ اواخر العام 2016. وقد أشارت مصادر نيابية لبنانية ان اسرائيل تطرح عطاءات على تراخيص للتنقيب عن الغاز والنفط قبالة سواحل فلسطين المحتلة في البحر الابيض المتوسط… فيما تعتبر الخطوة الاسرائيلية، تحدياً للبنان، الذي يتعرض لسرقة ثرواته من النفط والغاز نتيجة النزاع الذي لم يحسم بعد حول الحدود البحرية.

تستولي اسرائيل على حقول للغاز الطبيعي قبالة سواحل المتوسط، وعلى مساحة تقدر بحوالى الـ75 ميليبريا، غرب راس الناقورة، جنوب لبنان، وكذلك نقل حقل غاز «تمار» الذي يقع على مساحة حوالى 35 ميلبحرا… غرب المنطقة عينها وتأمل «اسرائيل» ان يحولها حقل ليفياثان الى دولة مصدره للغاز حيث تقدر مخزونات الحقل بما لا يقل عن 535 مليار متر مكعب من الغاز…

أما حقل «تمار» الذي يحوي حوالى 233 مليار متر مكعب من الغاز، فيقع على بعد 130 كلم قبالة ساحل حيفا المتوسطي، ويعتبر من حقول الغاز الواعدة التي اكتشفت في السنوات الاخيرة الماضية في تلك المنطقة.

خلافات الحدود واحدة

يرى خبراء لبنانيون، ومنهم جاسم عجاقة، ان خلافات الحدود مع اسرائيل واحدة من أهم أسباب عجز الحكومة (اللبنانية) عن اتخاذ أية قرارات بشأن تطوير الحقول قبالة سواحل المتوسط، ولا يلوح في الافق، للآن، امكان حلها، ذلك ان تل ابيب تستولي على نحو 840 كلم2 من المياه الاقليمية اللبنانية، فيما موقف لبنان واضح، من رفض الدخول في أية مفاوضات مباشرة مع العدو…

وكان مساعد وزير الخارجية الاميركية لشؤون الطاقة والنفط والغاز، آموسى هوكستاين، زار لبنان لبحث خلافات الحدود مع الكيان الاسرائيلي.. وقد أكدت المعلومات والدراسات الرسمية وجود أكثر من 123 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي وحوالى 35 بليون برميل نفط خام.

الخلاف اللبناني – الاسرائيلي، وفق الناشط البيئي والمستشار في التنمية المستدامة، مازن عبود، يجعل شركات التنقيب الاجنبية تتخوف من تنفيذ أية عمليات بحث او تطوير قبالة سواحل لبنان في المتوسط، تحسباً لأية اعتداءات قد تقوم بها «اسرائيل»… ويعد النفط والغاز المقابل للسواحل اللبنانية جزءاً من حوض واحد في شرق البحر المتوسط، غني بالنفط والغاز الطبيعي، يمتد من الاسكندرية في مصر، وصولاً الى السواحل التركية.

وكان وزير المال السابق، علي حسن خليل، زار روسيا، لهذا الغرض… فكانت زيارة نفطية بامتياز، إذ تم الاتفاق على تولي احدى الشركات الروسية العملاقة، والتي يعتقد  انها «غاز بروم» – استخراج النفط والغاز من المنطقة الاقتصادية المتنازع عليها بين لبنان والكيان الاسرائيلي، وهو أمر تم الاتفاق عليه بين لبنان وروسيا، على ان تكون كلفة التنقيب مشتركة بين الدولتين…

 

ترسيم الحدود

إذا كانت الحدود البرية بين لبنان وفلسطين المحتلة قد شكلت ذرائع لتل ابيب لشن حروب على لبنان بهدف سرقة المياه واليابسة، فإنه من غير المستبعد ان تقدم اسرائيل على شن عدوان في سياق سعيها لسرقة النفط اللبناني، خصوصاً وان اسرائيل بدأت بتلزيم حقول النفط والغاز متجاهلة اشكالية ترسيم الحدود البحرية من الجهة الشمالية…

وكان لبنان قد بدأ بترسيم حدوده البحرية اعتباراً من العام 2002، لكن عدم توفر خرائط بحرية دقيقة وواضحة لمنطقة جنوب لبنان وشمال فلسطين المحتلة أدى الى انجاز ترسيم غير دقيق… وكذلك في العام 2006 حيث أجريت دراسة كانت عبارة عن تحديث لتلك التي سبقتها…

في العام 2007، وقع لبنان مع قبرص اتفاقية حول تعيين حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة… وتم تحديد خط حدود بحري ما بين النقطة (1) جنوباً والنقطة (6) شمالاً، مع توضيح مفاده ان النقطتين المذكورتين غير نهائيتين، بانتظار الاتفاق مع الدول المعنية، لكن هذه الاتفاقية لم تبرم بعدما وقعت قبرص اتفاقية أخرى مع تل أبيب في العام 2010 لتحديد المنطقة الاقتصادية الخالصة بينهما، متجاهلة ما تم الاتفاق عليه مع لبنان وهذا ما أدى الى خسارة لبنان مساحة مائية تزيد على 860 كلم2 من دون «وجه حق»…

لقد بات من شبه المؤكد، وتبعاً لكل المعطيات المتوافرة، القديمة والحديثة، ان بحر الجنوب يحوي مخزوناً ضخماً من الغاز الطبيعي، باعتباره يشكل امتداداً لجيولوجية البحر الفلسطيني المحتل، الذي تأكد وجود الغاز فيه بكميات هائلة… والأرجح ان لبنان في المستقبل على موعد مع معركة، ديبلوماسية، وغير ديبلوماسية ترتكز على كل عناصر القوة لحماية حقوقه.

 

ثلاث شركات للتنقيب

لبنان تحت المجهر الدولي، منذ التقارير السرية الاولى التي تسربت عن شركات نفطية كبرى تحدثت عن مخزونات نفطية في المياه اللبنانية وداخل البر اللبناني… فأصبح، في قناعة العديد من الخبراء والاختصاصيين، جزءا من شبكة انتاج نفطية دولية تشمل سوريا و»إسرائيل» وقبرص ومصر… وكون الشرق الاوسط، أصبح مرهوناً بالصراعات بين الدول الكبرى، للسيطرة على مسالك النفط والغاز في العالم، فإن هناك تحولات جارية في المنطقة سيتأثر بها لبنان من منظار جيو استراتيجي يحدد خرائط جديدة، لسوق الطاقة في العالم… وقد عهد لبنان، على ما يقول الدكتور الكسندر ابي يونس، الى استخراج الذهب الاسود الى ثلاث شركات: توتال الفرنسية، نوفاتيك الروسية وايني الايطالية. ومن المتوقع ان يبدأ لبنان في شباط 2020 حفر البئر الاولى للنفط في البلوك رقم 4 الذي يمتد من بيروت جنوبا الى شكا شمالاً… في الوقت ذاته يصر لبنان على بدء التنقيب في البلوك رقم 9 بأسرع وقت لأن «اسرائيل» بدأت التنقيب في حقل «كاريش» المجاور، ويخشى لبنان سرقة حصته بالحفر، افقياً بعدما ارسل العدو في كانون الاول 2019 سفينة لاستكشاف النفط في المياه اللبنانية وتحديداً في البلوك 9.

التحرك العاجل

لقد بات مؤكداً، وتبعاً لكل المعطيات المتوافرة، القديمة والحديثة، ان بحر الجنوب يحوي مخزوناً ضخماً من الغاز الطبيعي… والأرجح ان لبنان سيكون في المستقبل على موعد مع معارك متعددة الأوجه لحماية حقوقه.

«إسرائيل» تستثمر النفط، ولبنان ينتظر.. وسبق لرئيس مجلس النواب نبيه بري ان صرح في حديث اعلامي، انه «تبين عبر دراسة مرفقة بخرائط، وجود مكامن نفطية مشتركة مع «اسرائيل»… وتحديداً في البلوكين رقم 8 و9، اللذين يقعان في بحر الجنوب، ما يستدعي التحرك العاجل للخروج من دوامة الانتظار… وهي مسألة لم تغب عن البيان الوزاري. حيث أكد البيان «ان حكومتنا ستحافظ على المكتسبات التي تحققت حتى الآن، من خلال صمود الدولة اللبنانية في المفاوضات من أجل الحفاظ على حقوق لبنان الكاملة في هذه الثروة، وسنعمل على التصدي للاطماع الاسرائيلية، وصولاً الى ترسيم عادل لحدودنا البحرية، وتسريع مسار التنقيب عن الغاز والنفط في مياهنا…».

***

(*) جريدة الشرق 4-2-2020

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *