العلمو نورن..وأكلوني البراغيث!

Views: 27

د. مصطفى الحلوة

كتب الصديق د.بلال عبد الهادي، في صفحته على الفايسبوك (24/ 5/ 2023) ما يستحقُّ التعقيب عليه، كما يستحقُّ أكثر ما عقّب به بعض الفسابكة على ما كتب، آخذين المسألة إلى مواضع تُعمّي على جوهرها، وكانت لقلّة أن تقبض على حقيقتها!

فقد أورد د.بلال نص رسالة، وصلته من إحدى طالباته، في قسم اللغة العربية وآدابها، السنة الثالثة، أي سنة التخرّج، وجاء فيها:”كلّ عام وأنت بخير دكتورنا الكريم أنا أشكر هذه السنه لأنك فيها (لاحِظْ الركاكة في التعبير!) لقد اكتسبت منك كلماتا وجملًا وعباراتا وثقافة لا تقدر بثمن لقد علمتنا سنة واحدة لكن أنت ستبقى وباقٍ في قلوبنا وذاكرتنا على مدى كلّ السنوات لك كل الشكر والتقدير دكتورنا الغالي دكتور بلال” (النص خالٍ من النقاط والفواصل..).

يُعلّق د بلال على هذه الرسالة، مُحوقلًا، وشاكرًا الله على نعمة اللحن في اللغة:”فلا حول ولا قوة إلّا بالله العليّ العظيم، الذي لا يُحمد على لحنٍ لغويّ سواه!”، ويُضيف:”ضاعت الطاسة بين التاء المبسوطة والتاء الزعلانة(..) كما نلاحظ القسوة والاهمال، التي تعاملت بها الكاتبة مع علامات الترقيم”.

لم تمضِ سوى دقائق معدودة، على هذا المنشور، حتى انهالت عشرات التعليقات، جُلُّها وضع د.بلال في قفص الاتهام، وراح يكيل له اللوم، لتعريضه بهذه الطالبة، مع أنّه لم يذكر اسمها أو ما يدلّ عليها. وقد ذهب بعضهم إلى وضع المسألة في خانة التنمّر. وكان شبه إجماع على أن د.بلال لم يأخذ بعين النظر المحبة والعرفان اللذين بدرا منها، وهما جوهر القضية.

واستيفاءً للفائدة، نقرأ بعض التعليقات “النموذجية: “رغم كل الأخطاء تظلّ رسالتها تعبيرًا صادقًا عن قلب وفي وعن شكر صادق(..) تستحق الطالبة كلّ تقدير”/”أعتقد، بعد هذا المنشور، ستكتب الطالبة بلغة الانترنت، عوضّا عن اللغة العربية(الفصحى)”/”صحيح، كذلك هناك بعض من دكاترة الجامعة يكتبون كلمة أستاذ بالزاي بدل الذال، فالمصيبة مشتركة”/”دكتورنا، شوية تعاطف مع البنت”/”كم سنشعر بالخجل حين نقرأمنشورك حتى لو لم تُسمّ!”/”ربما لا تستحق شهادة أكاديمية، لكنها تعرف من يستحق التكريم”/”هيدي بإيامنا كانت بتطلع إكمال بصف الأول متوسط”/”يا ساتر  يارب”/”كناحية أكاديمية معك حق، بس كناحية إنسانية مش حلو نشر الرسالة على الملأ”/”نعمت التلميذة ..أحسنت تعليمها!”/”في روحية هذه الرسالة ما يتجاوز الخطأ، وقد ركنتَ إلى مقاربتها بما يتجاوز الخطيئة، وتلك سرديّة قاسية ومتحاملة، ليست تنمّ عن سماحة، أظنّها فيك”/”كيف وصلتْ للسنة الجامعية الثالثة أصلًا، وهي بهذا المستوى ؟ هناك خلل في النظام التعليمي، أكيد”/”هذا التنمّر غير مقبول، خاصة أنّه صادر عن أستاذ مؤتمن على الطلاب!”.

بإزاء هذه التعليقات ، التي تأخذ جانب الطالبة، من منظور قيمي أخلاقي، مُطّرحين، بغالبيتهم،البعد الأكاديمي، كانت بعض ردود من قِبل د. بلال، جاءت على الوجه الآتي:”هذه جريمة نحويّة لا تُغتفر من طالب في السنة الثالثة، أدب عربي، مسار لغوي، أقلّه، يعرف الفارق بين التاءين”/”أتقبل على مضض هذا الخطأ، من طالب يتخصّص في غير اللغة العربية. هي سنة ثالثة، يا عالم، يا هوو، أي مرشّحة لأن تكون معلمة  لغة عربية!”/”..هل تتخيلين الأضرار الفادحة، التي ستلحق بالأجيال القادمة. من يعرفني يعرف جيّدًا أنّي لست متعصبًا للغتي، لكن أؤمن بالحد الأدنى”/”يا أختي ه‍يدي أوّل مرّة بعلّما، الحق على المرحلة الابتدائية والتكميلية والثانوية اللي وصلتها مهرهرة إلى أبواب الجامعة، والحق عليها لأنها لم تفكر في معالجة نقاط ضعفها”

إستزادةً في التعقيب من قِبلنا، على بعض التعليقات، التي وردت، يتحصّل أنّ غالبية المعلقين تعاطفوا مع الطالبة، ودانوا بالمقابل د.بلال، فإذا هو المخطىء، بل مرتكبٌ خطيئةً! إلتمسوا لها أعذارًا متعدّدة، ولم يلتمسوا عذرًا واحدًا له، وهو الصادر عن هذا المنشور من إحساس بالألم، على هذا الجيل من الطلبة، الغارق في جهل عميم!

ثمة تعليق لافت حول كيفية وصول هذه الطالبة إلى المرحلة الجامعية، وهي بمستوى علميّ متدنّ؟..نعم، عزيزي المتسائل المتعجّب، هناك خللٌ في نظامنا التعليمي، بل عطبٌ بنيوي. ناهيك عن وجود عدد كبير من الهيئة التعليمية، في المراحل ما قبل الجامعية، باعوا ضميرهم المهني، ولم يخشوا الله في طلابهم! وهذا ما نلاحظه في مرحلة التعليم الأساسي!

وإذا كان الشيء بالشيء يُذكر، فقد كنتُ في السبعينيات طالبًا، في كلية الحقوق، الجامعة اللبنانية، وكنتُ شاهدًا على واقعة طريفة، بطلها أحد كبار أساتذة الكلية، هو د.نقولا أسود، وكان يدرّسنا مادة الأموال. ففي الامتحانات الشفهية لهذه المادة، طلب إلى أحد زملائي إستعراض أنواع الشركات، فطفق المسكين يُعدّدها، وكانت الطامّة الكبرى، حين ذكر إحداها بالقول:”الشركات المغفّلة!”.  لما استوضحه د.أسود أعاد القول؛” الشركات المغفّلة”، بتشديد الفاء! وهي الأصح الشركات المغْفلة، بتسكين إلفاء! فعقّب د.أسود قائلًا: كونك مغفّلًا، فأنت راسب في هذه المادة، واضطر لإعادة الامتحان الشفهي في الدورة الثانية..فاعتبروا يا أولي الألباب! (www.speedclean.com)

***

*من بيادر الفسابكة/قراءة نقدية في قضيّة.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *