يوم اللغة/ الأم

Views: 575

د. ​​​​​جان توما

هو يومُ اللغةِ/الأمِ عالميًّا، حيث تصيرُ الأرضً أمًّا، ويصيرُ اللسانُ ولاّدًا لتهجئةٍ كلّما أخرجَ مقطعًا صوتيًّا بتعبيرٍ منطوقٍ محبّب. أللغةِ يومٌ كسائرِ الأيام؟ أم هي اليومُ السائرُ في لحيظاتِ العمرِ ومعارجِ الحياة؟. من يكتبْ أبجديتَهُ إنّما يكتبُ سيرةَ حياةٍ وترجمةَ مسرى.

بعيدًا عن نظريات النُّحاةِ وأربابِ اللغةِ نخرج في هذا اليوم إلى حقيقةِ اللغةِ التي هي وبها نُحِبُّ ونتألمُ ونتوجّعُ ونعبّرُ. نعود أمامَها إلى طفولَتِنَا لنصنعَ من طينِ أحرفَهَا ما يحقّق ذَهَبَ أحلامِنا. هل ضاعَ الحُلُمُ اليومَ؟ وراحتِ اللغةُ تتخايلُ بغيرِ عباءاتِها؟ وتتعثرُ بأزياءَ ليست منها ولها؟ هجم الحرف اللاتيني واكتفينا بالدفاع، فيما المطلوب أن نقتحمَ الميادينَ ونواكبَ بمختبراتِنا اللغويةِ ومراصدِنا الحركةَ العلميّةَ والتقنيةَ الوافدة.

هنا مسؤولية العاملين في حقل اللغة في التصدي والمواجهة بتطويِر المراصد اللغويِّة المختصِّة لتعمل على مواكبةِ الاجتياحِ اللغوي الحاصلِ، وتدريبِ شبابِنا على ممارسةِ أرقى أساليبِ الهجومِ الذي يتكىءُ على ما ورثناهُ، لنهضةٍ لغويّةٍ تسكُنُ الأفئدةَ النابضةَ بحبِّ اللغةِ الأمِ التي إن تنفّست أزْهَرَتْ، وإن تأوّهت أوْرَدَتْ، وإن قالت وحَّدَت، وإن تألّمت عَبّرَت، وهي كالصادقينَ، ” وما بدّلوا تبديلا”، وما تغيَّرت.

​اعمل في اللغة كأنّك في معاصر الزيت والزيتون، كلّما عصرت واختصَرْت الكلماتِ تعملّقَ المضمون وتألق. إنّ العاملين في اللغة لا يعبرونَ حقولَ ألغامٍ بل كرومَ محبةٍ وجلولَ ودٍّ وتقدير، فحضورُ المشتغلين بالكلمةِ يُلغي المعاجمَ والمعارجَ لأنّ الكلمةَ وجهٌ، فإذا التقَتِ الأعينُ صارَتِ المخارزُ أقلامًا تخطُّ مضامينَ القلبِ بعد أن تجرحَ بشفاهَهَا وجهَ المِحبرة  كما يرسُمُ الِمجذافُ أحرفُ السفرِ على مِنديلِ سطحِ المياه.

​إنّ المبحرين في اللغةِ العربيةِ بين الناشئةِ والأوراقِ والكتب يصيرون كتاتيبَ، يأتيها الراغبونَ علمًا واستزادةً ليتتلمذوا لغةً ومحبة. عند الكتّاب كلمة، لكنهم في دواخِلهم يعرفونَ أنَّهّم لم يقولوها كاملةً، بل كيف حصّنوا وَرَعَوا وأضافوا من أوردتِهم لتبقى اللغةُ العربيةُ حيّةً…وستبقى.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *