مطانيوس ناعسي… بيّناتٌ من روحه الإنسان!!
د عماد يونس فغالي
على مقرُبةٍ من سنةِ ارتحالها، قطع مطانيوس ناعسي “إهداءتَه” جوازَ مرورٍ إلى ابتسامة أمّه المسافرة… وعلى وسعِ مدى سفرِ ابتسامتِها كانت مدّةُ الجوازِ مدّ الأبد، ملأه تأشيراتٍ إلى مختلف مكامن النفس البشريّة، تسمّتْ في هويّة الجواز، أقاصيص!
شاءه جوازًا في الشكل أيضًا وخصوصًا. أعطاه غلافَ جواز السفر، يقطع فيه مسافاتٍ أدبيّة على أجنحة السرد نمطًا عبرَ “مطبّاتٍ” إنسانيّة، فعلتْ بأبطالِ أقصوصات المؤلّف فعلَ تفاعلاتهم مع الحياة، ومع تبيّنات شخصيّاتهم وتأثّراتها النفسيّة والتربويّة والاجتماعيّة، كلّ من موقعه في السياق!
يتأنّى الكاتب باختيار شخصيّاتِه، لكأنّه يرسمها لتتطابق مع مرسلته النصيّة، بحيث لا يمكنكَ تصوّر بديلٍ عنها بالزخم الإنسانيّ لو أردت!!
وينسحبُ هذا على الوتيرة الحركيّة في تتابعها والتلاقي بين الأحداث وأبطالها… ما يرفع من منسوب التشويق في الأقصوصة الواحدة، وعند انتهائها، أيّة تاليةٍ سيأتي المؤلّف تشدّ أكثر….
في الكتاب، تَوالي الأقصوصات لا تظنّنه عبثيًّا. لوحتان من جميل النفس البشريّة في شخصيّاتٍ محبّبة، راقية الحضور والعلاقة، تفتح السياق على استزادةٍ من نوع، لتبدأ الأحداث والمواقف بانحدارٍ قيميّ وصاليّ، تدريجيًّا، يطأ القعر تباعًا في الأقاصيص التي تلي. ويأتيكَ هنا صدىً لقولةٍ كأنْ نبويّة: “ارتقوا، فالقاع مزدحم”، ليعودَ الصعودُ هذه المرّة قفزةً ضوئيّة طالت القمم، تتخطّى نقطةَ انطلاقة النصّ إلى ما فوق بعد… لكنّها تلتقي في تسامياتها مرحلةَ ما قبل نصيّة، في خفايا البدايات، حيث أهدى الكاتبُ جوازَ مروره إلى أمّه، ابتسامةً مسافرة إلى فوق… إلى مراتع الأمومة السميا، في مصاف الإلهيّة… معادلةٌ في المضمون ترقى وتدعو إلى ارتفاع…
من ناحيةٍ أخرى، يتشكّل الأبطالُ في السياق نماذجَ إنسانيّة، يجدُ القارئ في كلّ واحدٍ منها شيئًا من شخصيّته، على أنّها تبانُ في جوانبَ، صورةً إمّا يبغي تبنّيها، أو في أخرى تحاشيًا محتومًا…
كتابُ مطانيوس ناعسي، فيه كلُّ روحه الإنسان، صبّ ما بين سطوره مرآةَ نفسه، لكن، قفْ، أقامَ نفسه خارجَ النصّ بامتياز، لا يلوحُ له طيفٌ من قريبٍ أو بعيد. تخالُ مرسلتَه منسلخة عنه، تأتي عبر الأثير، لتطبعَ فيكَ بيّناتٍ من روائعه!!!
الكاتب الحبيب، يبقى تساؤلٌ يُحرق شوقي إلى مروراتِ جواب. هل يأتي جوازُكَ المرورُ هذا ارتقاءَاتِ قممٍ تروح في الارتفاعات بعدُ أعلى؟ أم تقول عليكم بالسلامِ وللنبيّين من علُ كلّ انتظار؟!! (https://www.lovemyphonerepair.com/)
***
(*) قراءة في كتاب “جواز المرور” للأديب مطانيوس قيصر ناعسي، الذي سيوقّعه في ١٠ أذار ٢٠٢٠ في جناح “تجاوز”، المهرجان اللبناني للكتاب- أنطلياس.
