عصام كرم… إنه بطركهم

Views: 419

 النقيب انطوان سبعلاني 

-1-

أهْديتَ، والمُهدى حبيبُ.         للهِ دَرُّكَ، يا «نقيبُ»

والمعذرةُ من خليل مطران مخاطباً أمين نخلة بقوله

أهْديتَ، والمُهدى ثمينُ.              للهِ دَرُّكَ، يا «أمينُ» أمَّا هدية الأمين «فالمفكرة الريفية»…

وأمَّا هدية النقيب عصام  كرم فمكتبة والده، كرم ملحم كرم…

وأكرمْ بالمُهدِيَيْنِ، وبالمُهدى إليهما!

وشاعر القطرين، وأمير الرواية العربية وأديب العرب، هم ثلاثة من عندنا، ثلاثة عظام أهداهم الله لبنان، وهم نازلون في  الحارة اللبنانية  من  ذات العماد!

المكتبة مشت من الجبل العالي الى أحلى المدائن.

من دير القمر الى  بيروت.

مشت في بعضٍ من خمسة آلاف كتاب، ونزلت جامعة الحكمة التي فتحت لها الأبواب… والقلوب.

وهذه الهدية التي لا تثمن كانت من النقيب كرم نيابة عن ورثة والده.

وعصام تشرَّبَ هذه المكتبة الجامعة كتاباً كتاباً فكان له هذا البحر من الثقافة الموسوعية: أدباً وفكراً وتاريخاً عند العرب وعند الفرنسيين.

إذا كنت في مجلس له تراه ينقلك ببراعة المتحدث من ضفة الآداب العربية الى الفرنسية منها. والأهم أنك تخرج من مجلسه أكثر معرفة!

وعصام كرم، وأخوه الرحيم، ملحم، هما حصيلة التربِّي على والدهما الذي كان صارماً في تزويدهما العلم والمعرفة.

عليكما يا ولديَّ بقراءة القرآن الكريم، وبنهج البلاغة، وبكليلة ودمنة، وبكتاب الأغاني…

وهذه مكتبتكما!

‏وخُذا بأدب فرنسا: رواية Jose-Maria de Heredia الذي مهد طريق Paul Valery بِ: وخذا La Pleiade وشعراً وخذا بِ:

.. وهذه مكتبتكما!.

وعلى ذكر الهدايا فإن كرم ملحم كرم قد أهدى الى لبنان النقيبين العلمين في القانون والصحافة. ومن نصف قرن هما من هما في هذين الميدانين!

والنقيب عصام، الجارُ الأقرب لقصر العدل، من هاتيك السنين، هو واحد من حراس الهيكل المهيب.

وساعة هو يأتي هذا القصر، لابساً روبه الأسود، تسلم عليه مبتسمة أشجاره الكبار… ثم  يأتيه المحامون مسلِّمين ولا سيما الشباب منهم

وتقول أنت:

إنه بطركهم!

وهذا ما قلته أنا يوم انبرى النقيب مدافعاً عنا في محكمة التأديب في العام 1992. ويوم صفق له سعيد عقل طويلاً!

وهذا  أقوله كلما جئت مكتبه فإذا بنو دالوز يأتون نقيبهم، هذا مسلِّماً، وهذا مستشيرأ…

 

-2-

والحكمة المدركة تماماً أهمية هذه المكتبة التي صارت الى الجامعة، «هدية السيد للسيد» فقد فتحت دونها الأبواب واسعةً وقام للترحيب بها وليُّ الحكموات، المطران بولس مطر، ورئيس الجامعة المونسنيور كميل مبارك. وقالوا فيها ما قالوا، وصفقوا لها ما صفقوا وشربوا نخبها في حضور حشد من أولاد كرم، وأحفاده، وأهالي دير القمر، الى شخصيات روحية، وسياسية، وقضاة، ونقباء ومثقفين.

ثم كانت قاعة كرم ملحم كرم في 5 آذار 2014 تخليداً لذكرى ولادة المكرَّم في مثل هذا اليوم من  1903.

ومما قاله النقيب كرم في المناسبة هذ:

«هذه كتب في مكتبة كرم ملحم كرم أكلت من بؤبؤ العين وسهاد الليل.. المكتبة بهاء عظمة لأنها تشارك في لعبة البقاء والخلود.

كلما مات كبير من قبيلة الكلمة قالوا: احترقت مكتبة…

وجاء في كلمة الوزير الأديب ادمون رزق:

«إن عصام كرم يستودعكم ذاته. مكتبة كاملة محفوظة في ذاكرته!قبل الحواسيب كان يختزن الموسوعات والقواميس..»

وقال المونسنيور مبارك:

«أما في العدالة فعلمني كرم ملحم كرم أن العدالة هي أن تعطي الإنسان ما يحق له، والرحمة أن تعطيه ما يحتاج إليه، أما المحبة

فأن تعطيه بلا حساب. وعلمني أن كنْ مع الحقيقة وقلها، تصلْ الى حيث تشاء، وأحياناً الى حيث لا تشاء».

وعند إزاحته الستار عن المكتبة قال المطران مطر:

«هو كرم ملحم كرم يطل علينا في زيارة هي الأولى لجامعة الحكمة في دارها الجديدة بعد أن تعوَّد ارتياد المدرسة، توأمها، منذ أن عهد إليها ولديه العزيزين عصام وملحم لما يقارب السبعين من السنوات… يتفقدنا اليوم كرم في حكمة النقيبين إذ كلف الأكبر فيهما تمثيله في هذه الزيارة محمِّلاً إياه مع أشواقه كنزه الأجمل يهديه لمكتبتها في الجامعة، فيزيدها زهواً»…

-3-

ويا صديقنا العزيز، ادمون رزق، هل نقول مع عصام الذي نحب:

«سيدتي المكتبة!

أنت باقية. لأن الكتاب باقٍ!

واحتراق المكتبات على الزمان ثبِّت بقاء الكتاب على الزمان»!

أم ترانا وصلنا الى الوقت الذي نقول فيه:

ألا  لعن الله الحواسيب وما لف لِفها، وهل نحن قائلون مع أينشتين:

«إذا سيطرت التكنولوجيا على عالمنا فسوف تنتج أجيالاً حمقاء»؟

ويا أصحابنا، طلابَ الحكمة:

ثقوا بأن  لا بديل من الكتاب إلا الكتاب.

ورجاء غداً حين تشاهدون عصام كرم يأتي جامعتكم سراً، أو في العلن رحَّبوا به بكوب ماء، وبفنجان قهوة، فهو به حنين الى كتب ربَّته على صغرٍ.

ورجاء اسألوه يا طلاب الجامعة، ثم اسألوه، ما تريدون، وخذوا منه ما يدهشكم!

***

(*) جريدة الشرق 6-3-2020

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *