قصيدة وتعليق

Views: 1195

سمر الخوري

 

وتورق بي جبال الريح حتى

كأن يديّ معجزة السواقي

كأني من هوى السياب حزن

فلا يَبَسُ النخيل من العراق

إذا أرِدُ الشواطئ ترتديني

ويُفشي الرمل أسرار العناق

– يسرى البيطار

 

مجاز إلى الأرض اليباب

مجاز …هو العنوان الذي ارتأيته لأبيات الشاعرة يسرى البيطار. والكلمة “مجاز” تحتمل الكثير من التأويلات. أولها العبور من الجبال إلى الصحراء إلى الشواطئ. وهو عبور طبيعيّ، حتميّ، كما تجري السواقي باتجاه البحار.

إنه عبور من الرفض والتمنع إلى القبول واللقاء. فالشاعرة، كما الجبال، متربعة على عرش الكبرياء، وكما الريح تهوى الحرية والانطلاق. ولكن إباءها لا يلبث أن يرقّ، فيورقَ، وتلينُ بها الأعطاف، فتنحدر من عليائها، يذوب جليدها سواقي عشق تعبر صحراء العراق والفراق إلى واحات نخيل السياب الباحث عن المطر، ولا مطر. ويشتد بها الحزن الأرق، تبتهل إلى الله كي لا يذبل نخيل شموخها، في صحراء دموع الأسى والأشواق. وتصل سواقيها إلى مصبّها الأخير، إلى شواطئ اللقاء الرمال. ويبقى العطش سيد المكان والزمان.

رمال

رمال

رمال

ويفشي الرمل أسرار العناق.

والتأويل الثاني للمجاز هو الكنايات والاستعارات والرموز التي تسيطر على الأبيات، منذ إقلاع الشاعرة، من جبال الريح إلى شواطئ اللقاء.

جبال الريح كناية عن حال من الضياع، في سماء ضبابية المصير. كيف تصبح الريح جبالا؟ لعلّ الجبالَ قصور أوهام وأحلام. وكيف تصبح اليدان معجزة السواقي؟ لعل ابتهالات الشاعرة قد أثمرت كبئر زمزم، أو كصخرة موسى عند جبل حوريب.

وكيف أصبحت الشاعرة سيّاب العراق وحزنه أمام أرضه اليباب في العراق؟ وما علاقة الشاعرة بنخيل العراق الذي أيبسه غياب المطر؟ لعل الشاعرة تبحث عن حب جارف يوقظ براكين أشواقها الرماد.

وكيف ترتدي الشواطئُ الشاعرةَ عندما تزور رمالها العاشقة الأمواجَ؟ لعلّه الحب الذي يزيده ملح البحار عطشا واشتهاء.

وكيف يتحوّل الرمل إلى عَذول ثرثار؟ لعله مترصِّد الأشواق بين عاشقين يبنيان على الرمل قصور عشقهما فتجرفه أمواج الواقع.

والمجاز الثالث هو التحوّل من جبال الريح إلى شواطئ الرمال، أي من الحالة الصلبة إلى تفكك واندثار. تفكك الكبرياء إلى استسلام لواقع جديد. والكلمة المفتاح في هذا التحول هي الإوراق. فيتحول الورق الأخضر في ذات الشاعرة إلى رداء بحري من رمال الشواطئ. وإذا ممانعتها الجبلية قبض ريح تتحول إلى رداء رمليّ ينهار عند أول موجة، في بحار العناق.

وبين الجبال وشموخها ورمال الشواطئ وامتدادها صحراءُ نخيل يكاد ييبس لحرمانه من المطر، أشواقُ سيابٍ جديد حزين، فارسةٍ عربية تروي بدموعها الأرض الموات.

يسرى البيطار، أيتها المسكونة بهموم القبيلة العربية الكبرى، واحتك الضاد ترتديك، تُحوّلك إلى  زرقاء يمامة تبصر معالم الهزيمة العربية. ترين عالمك بلا ثورة، قبض رياح ورمال. تبحثين عن مجاز إلى عالم جديد، بلا صديد. ولكنك تعلمين أن صخرتك/ العروبةَ سيزيفيةٌ، ولن يتفجّر منها الماء، أو الدماء.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *