العودة الى الكهف

Views: 407

خليل الخوري 

فيروسٌ تتعذر رؤيته في العين المجرّدة قادرٌ على أن يعطّل الحياة في العالم كله. متفوقاً على الحروب وما فيها من آلات الدمار، ما وضع الإنسان وجهاً لوجه أمام الحقيقة الكبرى: مهما طغى وتجبّر واستبدّ وخطط يبقى عاجزاً أمام «الطبيعة الأم» التي تعرف كيف تنتقم بعواملها هائلة القوة وخرافية التداعيات.

في أيام معدودة جمّد فيروس كورونا الحركة شبه تجميد كامل على الكرة الأرضية: فالقمم المقررة بين كبار قادة العالم أرجئت. حركة الطيران جُمّدت على مستوى شمولي. الاقتصاد أُوقف فتساوت في الشلل البلدان هائلة الإنتاج بتلك التي تعاني. حتى النشاط الرياضي توقف في مختلف الملاعب وعلى أنواع الأنشطة.

عاد الإنسان الى الكهف مثل أسلافه الأوائل. صحيح أنه كهفّ حديث، يتمتّع بعُصارة الحضارة، ولكنه مأوى قد لا يغادره ساكنه الا للضرورة القصوى.

ولم يعد ثمّة فرقٌ بين إبن مدينةٍ وإبن ريف، ولا بين ربيب القصر وربيب الكوخ. ولا بين غنيّ وفقير. ولا بين عالم وجاهل. ولا بين فيلسوف وسفسطائي. إذ إنهم، جميعاً، تحت رحمة عدوّ معلوم – مجهول.

إنها أيامٌ، وأسابيع، وقد تطول أشهراً أيضاً، إستثنائية، هي بمثابة لمحة في عمر الإنسانية، ولكنها ستظلّ عِبرةً لمن يعتبر على امتداد التاريخ الآتي.

لقد عرفت البشرية، قبلاً، أوبئة وجائحات رهيبة مثل الطاعون والكوليرا والملاريا، الا أن أياً منها لم يسجّل إنتشاراً شمولياً على مستوى المعمورة كما يفعل، هذه الأيام، فيروس كورونا. كان الطاعون يضرب منطقة من العالم فيقضي على الملايين ولكن المناطق الأخرى تبقى في منأى عن سيطرته. أما كورونا فتخطى الحدود، وتجاوز المواقع، وقفز فوق الصواريخ عابرة القارات، وسائر أدوات الموت التي أنتجها العقل البشري المدمّر وطاول الحكام والمحكومين على حد سواء. ولعلّه قضى على الكثير من العنجهية القبيحة التي تميّز بها قادة ومسؤولون وزعماء في العالم. فمنذ أيام لم نستمع الى دونالد ترامب يؤدب الآخرين، بمن فيهم الحلفاء، فيتخلى عن أدنى حدود اللباقات (بل الأخلاق) وهو يخاطب ملوكاً ورؤساء وقادة. وما ينطبق على هذا الرئيس الصلف ينطبق على مسؤولين كبار في إقليمنا وسائر الأقاليم.

ونحن، معشر المؤمنين بالله تعالى، نرى في تداعيات هذا الفيروس، ترجمة للشر: فساداً وإنحلالاً وعنصرية وبغضاء، وإنقلاباً في العلاقات الإنسانية بما فيها الروابط والعقود الحميمة ليس فقط على القيم والمبادئ بل أيضاً على ناموس الطبيعة.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *