النخوة

Views: 279

خليل الخوري 

المِحَن هي محكّ الشعوب.

هذه حقيقة لا جدال فيها. العالم كله في محنة كبيرة. ولبنان جزء من هذا العالم. والمحنة كبيرة. فهذه الجائحة التي ضربت الناس في سائر مناطق تواجدهم، هي إحدى البلايا العظيمة التي يقفُ المرء أمامها عاجزاً عن ردّ التحدي. جلّ ما يمكن فعله هو السعي الى تخفيف الأضرار.

في إنطلاقة فيروس كورونا تعامل معه اللبنانيون (مثل سائر البني آدمين) بردودٍ مختلفة. البعض إعتبره نوعاً من الانفلوانزا، وبالتالي فهو «موسم» وينتهي خلال أسابيع. البعض الآخر سخر من التهويل والمخاوف وذهب الى حدّ القول إن الانفلوانزا أشدّ خطورةً، لأنها تُصيب الملايين سنوياً وتقتل مئات الآلاف، البعض الثالث تهيّب الموقف كون الفيروس المستجدّ لا لقاح له ولا دواء خاصاً به. حتى أن دولاً عدة تلكأت عن اتخاذ التدابير الوقائية، وبينها دول متقدّمة ومنها دول عظمى… فتأخّرت في التركيز على حتمية ملازمة المنازل، ومضت في حياتها الطبيعية في الأيام العشرة الأولى، فلم تُقفل المصانع ولم توقف المؤسسات التعليمية إلخ …

وعندما اتّخذ وزير التربية الوطنية والتعليم العالي في لبنان قرار تعليق الدروس في المدارس والمعاهد والجامعات ودور الحضانة، أُثيرَ جدالٌ واسع بين مؤيّد ومعارضٍ وساخرٍ ومُنتقد… الى أن تبيّن أنّ هذا التدبير اتّخذَ، لاحقاً، في جميع بلدان العالم تقريباً.

وفي تقديرنا أن أهمّ ما رافق هذا الوباء من نتائج هو الاهتمام الذي أبدته فئات عدة في المجتمع المدني اللبناني، خصوصاً الدعوة الى التصدي لانتشاره بتضامن وطني ملحوظ. فقد تداعى غيرُ فريق وفي غيرِ منطقة الى تطوّع مجموعات من الشباب، شبّاناً وشابات، لتقديم الخدمات إلى حبيسي البيوت الذين تتعذّر عليهم مغادرة بيوتهم. فإذا احتاج شخصٌ في بيته إلى سلعة ضروريةٍ ما، يتّصل برقم هاتف معيّن في منطقته فيتوجّه المتطوّع إلى شرائه وتزويده به، ليس مجاناً، إنما لتجنيبه مغادرة المنزل دون أرباح أو أكلاف إضافية.

إلى ذلك، إندفعت ثلاث مجموعات على الأقل من الشباب الرؤيويين في العلوم الى العمل على إنتاج نماذج من الأجهزة التي تساعد على التنفّس بعدما ثبُت أن لبنان لا يملك منها ما يسدّ الحاجة، إذا لا سمح الله، تفاقم إنتشار الفيروس اللعين.

ولقد تولّى عدد من الأحزاب والجمعيات الأهلية، في أنحاء من لبنان تطويع المنتسبين إليها لتقديم المساعدة حيث تدعو الحاجة، أقلّه لتسهيل ما أمكن من سبل الحياة ولو في الحدود الدنيا.

وفُتحت صناديق أهلية لتقبّل التبرعات لمستشفى رفيق الحريري الذي يحمل العبء الأكبر في هذه المواجهة، وربما لسواه من المستشفيات.

وما يدعو الى الكثير من التقدير والاعجاب تلك الظاهرة التي تمثلت ليل امس باقبال اللبنانيين على التبرع الى مستشفى رفيق الحريري الجامعي والصليب الاحمر اللبناني عبر برنامج «صار الوقت» الذي  يقدمه الزميل مارسيل غانم من على شاشة  MTV لنحو ثلاثة مليارات ليرة حتى موعد كتابة هذه العجالة عند منتصف الليل.

باختصار إن «العونة» هي جزء من تاريخ اللبنانيين، خصوصاً في الأرياف، وهذا الفيروس أعاد إلى الواجهة ما عُرف به شعبنا من النخوة والمروءة.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *