حرقنا المراكب

Views: 302

خليل الخوري  

حالنا، في لبنان، حال أولئك الذين حرقوا المراكب كلها وراءهم، وقرروا أن يمخروا عباب البحر سباحةً، وسط أنواءٍ وعواصف هائلة. فافتقدوا إمكانية الرجوع وليست لهم القدرة على المضي إلى الأمام.

نحن حرقنا المراكب كلها قصداً وعمداً. نحن، أعني هم، الذين تولّوا المسؤوليات وكانوا، في التقدير المتواضع، بضع فئات:

فئة الفاسدين الذين لم يروا إلى لبنان إلا مصدراً للنهب والنهش والسرقة وملء الجيوب مهما كانت النتيجة مأساوية وكارثية.

فئة المتواطئين مع أولئك، ولو حصلوا من الجمل فقط على أذنه.

وفئة العاجزين، الفاشلين، غير الجديرين بتحمّل المسؤولية إن في السلطة أو في القيادة والزعامة غير الكفوءة…

وفئة المستلشقين، الذين لا يعنيهم في الأمر شيءٌ، وينحصر جلّ تفكيرهم في «ماشي الحال»، ولو لم يكن أي شيءٍ ماشياً.

نتيجة ذلك كله وصلنا إلى ما وصلنا إليه من انهيار غير مسبوق، وسقوط لا مثيل له. فلا اقتصاد متعافياً، ولا مداخيل متوافرة، ولا حدود لتراجع العملة الوطنية.

أجل! لقد حرقنا المراكب كلها. فلم نترك مجالاً أو أداةً أو «مركباً» يُمكننا أن نستقلّه للرجوع، ولا عافية تُمكّننا من متابعة الإبحار.

قضَينا، بل الزعران واللصوص والفاسدون والفاشلون، هم الذين قضَوا على مكوّنات الصمود كلها. ولم يكتفوا، فوضعوا البلد وجهاً لوجه أمام احتمال اضطراب أمني قد لا يكون مستحيلاً كي لا نقول قد لا يكون بعيداً.

الأخطر أنهم قضوا على سمعة لبنان وشعبه، فمرّغوها في التراب، بعدما كانت زهرةً فوّاحة في حقول الاقتصاد والعلم والسياحة والاجتماع…

و”بفضلهم”، لم يبقَ ثمه مجالٌ لعودة لبنان الطبيعية في مستقبلٍ منظور، خصوصاً إذا استمرّت طبقة هذه الفئات مُتحكّمة في رقاب العباد ومصير البلاد.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *