قصيدة وتعليق

Views: 719

سمر الخوري

 

خمّارتي                      

………  فالأرض خمارةٌ والدهر صاحبها(جبران خليل جبران)

 

خمارتي زرقاءْ

حلُمُ التقاءْ

كأسٌ رمادْ

بحرٌ يجوعْ

عطشٌ سهادْ

وهجوعْ

والكأسُ يؤرقها رقادْ

في ظلّه اتقادْ

وخشوعْ

خمّارتي تيهٌ  وملحْ

أحلامُ سفحْ

تشتاقها قبلاتُ صفحْ

وضلوعْ

كأسٌ جمادْ

سكَنَ الردى أشواقَها

أحداقَها

إن تضطربْ

والمدُّ مدرارُ الحواسْ

أوليسُ فيها يغتربْ

وأبو نؤاس

خمّارتي وسواسْ

خمارتي خنّاسْ

إن أمتشقْ سحْرًا

أو أنطلقْ سحَراً

قيثارتي الوداعْ

حلُمي الضياعْ

خمّارتي

في بهوها

ألقٌ

أمّارتي

في لهوها

أرقٌ

عنقاءُ ليسَ لها ارتقاءْ

 

جوزيف الجميل

 

خمارة الحب

خمارتي قصيدة للصديق الدكتور جوزيف الجميل.تقرأ القصيدة، تتخيل نفسك أمام نؤاسي  يلاحق غيره الأطلال ويبحث هو عن ..خمارة. تصبح الخمارة ملكا له. يعشقها إلى دركة الجنون. يثمل على بابها المرصود:لا يدخلها الا السكارى، والحيارى، والغيارى على الحرف الجميل، في هياكل النجوى الخمرية.

ولكن سكرنا يستفيق على حاشية للشاعر قرب العنوان: شطر شعري من مواكب جبران يقول فيه:

فالأرض خمارة والدهر صاحبها

            وليس يرضى بها غير الألى سكروا

فهل أصبح الشاعر ، وفق هذه المعادلة، مساويا للدهر، في ملكية الخمارة؟وهل أصبح مالكا للأرض التي شبهها جبران بالخمارة، مرتع السكر الكبير، وموئل الجنون الحنون؟

بين الشاعر والدهر ملكية مشتركة:الخمارة. ولكن خمارة الجميل ليس في بنت الكرمة، ولا سكارى. إنها خمرة الأرض الخراب التي تحدث عنها إيليوت. هي خمارة الرماد والجوع والعطش والسهاد والتيه والردى والضياع. ويطول معجم الموت أرجاء القصيدة. وبهذا تنقلب صورة الخمارة، ويصبح الشاعر حين يدخلها بلا رجاء. صحوه قاتل والسكر في تلك الخمارة أوهام.

هي الخمارة الأرض لا خمارة أبي نؤاس. هي الخمارة الخناس الوسواس. والخناس في اللغة هو الشَّيْطَانُ لِأَنَّهُ يَخْنِسُ، أَيْ يَنْقَبِضُ إِذَا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ الناس آية 1قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ مَلِكِ النَّاسِ إِلَهِ النَّاسِ مِنْ شَرِّ الوَسْوَاسِ الْخَنَّاس (قرآن كريم)

توسوس له الشر، والخداع. وتتساوى الخمارة بالأمارة. وفي هذا إشارة إلى قول يوسف في الكتاب : وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء.

وهكذا تتحول الخمارة /الحانوت إلى الخمارة /الأرض إلى الخمارة /جسد الشاعر ونفسه بما يحملان من شرور وآثام، أو بما يعلنان من يأس يحاكي الموت الذي تعزف قيثارته في نفس الشاعر ألحان الوداع. فما أسباب هذا الصراع؟

هي رحلة أوليس/ الشاعر بحثاعن طريق للعودة إلى الديار. وديار الشاعر ليست هذه الأرض بما فيها من سحر وبهرجات.وكأن الشاعر يردد مع جبران مخاطبا نفسه:

 هو   ذا   الفجر   فقومي  ننصرف

عن   ديار   ما   لنا   فيها  صديق

أيكون يأس الشاعر الجميل ذا علاقة بشعور الغربة والوحدة؟

أيمكن أن يتحول الموت إلى منقذ من واقع معين؟

وما أسباب هذا القلق الوجودي؟ أهو الخوف من الموت، أم من الحياة؟

وماذا بعد الموت؟

بعد الموت عنقاء. ولكنها عنقاء بلا انبعاث، أو رجاء. عنقاء ليس لها ارتقاء. إنه الموت العدم، موت النفس اليهوذية التي بلا رجاء.

صديقي الشاعر، غريب يأسك القاتل. غريب امتشاقك السيف لتطعن نفسك كالساموراي. أتكون كالمعري رافضا الفرح، معلنا أن البكاء والفناء مصير البشر حين يقول:

ضَحِكنا وَكانَ الضِحكُ مِنّا سَفاهَةً

وَحُقَّ لِسُكّانِ البَسيطَةِ أَن يَبكوا

يُحَطِّمُنا رَيبُ الزَمانِ كَأَنَّنا

زُجاجٌ وَلَكِن لا يُعادُ لَهُ سَبكُ

فما الذي حطمك حتى تناثر زجاج مرآتيك في الحياة، وما بعد الحياة؟

لا يا صديقي، الحياة قد تكون خمارة، ولكن لا لتعتيق الخمر، بل لتجعل الإنسان خميرة صالحة في معجن الوجود. والإنسان ليس مصيره الفناء، بل الخلود. وخلوده ليس بمستحيل. قد يكون في قصيدة، في لوحة،أو في فعل محبة، قبل الرحيل. خلوده حتمي لأنه خمرة أزلية في كأس الحب المطلق، في قلب الله.

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *