فيروس كورونا- هل يغيرنا؟!

Views: 438

د. نزار دندش

لقد احدث وباء الكورونا ضجة لا شبيه لها في الماضي المنظور على هذا الكوكب لانه يحصد ارواح البشر في معظم البلدان خارقاً الطبقات الاجتماعية و المراكز العالية زارعاً الرعب في مختلف الارجاء، فحكم على غالبية سكان الارض بالحجر والاحتجاز في منازلهم.

في عدة بلدان يتوقع مسؤولوها ان يصاب بالكورونا اكثر من نصف شعبها اما نسبة الوفيات منهم فلا تقل عن الاثنين بالماية (و حسب العناية الصحية و حسب نسبة المسنين في هذا البلد او ذاك)

في الاقتصاد ، ستبلغ الخسائر الناتجة عن هذا الوباء تريليونات كثيرة من الدولارات.و سوف يخسر عشرات الملايين من الموظفين وظائفهم وتتوقع دوائر الامم المتحدة ان يصل العالم الى ركود اقتصادي شبه حتمي

في الاجتماع، كان من المتوقع نظرياً ان يسهم هذا الوباء في جعل شعوب العالم اكثر تضامناً،لكن الامر مازال مختلفاً حتى الآن،فهناك من يسعى الى استحضار التناقضات واستفزاز الغرائز في معظم الامكنة و معظم البلدان.

في السياسة ، الكل يحاول استغلال الوضع لصالحه و ضد الآخرين،لكن الاقدر في هذا المجال هو من سيستطيع التغلب على الوباء في دائرته. بعض الدول تحاول اخفاء المعلومات عن الاصابات فيها اما لاهداف انتخابية واما لاسباب اقتصادية تتعلق بسمعتها السياحية واما بسبب عجز الدولة عن التصدي للفيروس لضعف امكانياتها

في الفلسفة ، لا يتفق حتى افراد الاسرة الواحدة على تصنيفه،فهو في نظر الكل شرٌّ مُطلق بغض النظر عن الذي اوصله الينا واوصلنا اليه.

في مجال العلم، ينتعش الاهتمام بالعلم بعض الشيء ولو ان القابضين على مراكز الابحاث العلمية في هذا العصر هم ممثلو الشركات العالمية القابضة، والسباق بين شركات الادوية على اشده للحصول على لقاح يجني اصحابه الكثير ودواء يجني اصحابه الأكثر .

الى اين سيقودنا زمن الكورونا؟

قد اثير استغراب الكثيرين اذا قلت ان الاوبئة من متممات نظام البقاء على هذه الارض ، فوباء الكورونا ليس الاول ولن يكون الاخير . الحكمة اكبر منا بكثير،لكننا قد نفهم الجزء المكشوف منها.

اذا استعرضنا عالم الاحياء بدون الانسان (مع ان الانسان جزء منه) نلاحظ انه يتشكل من انظمة ايكولوجية(بيئية) متكاملة، فاذا تعرض عنصر منه للزيادة او النقصان تعرض النظام باكمله للاختلال.فلو زاد عدد الاغنام كثيراً لما عادت الاعشاب تكفيها،لذلك تتعهد الذئاب بالقضاء على الفائض.ولولا القطط والافاعي وغيرها لغدا عدد الفئران والجرذان لا يحتمل على هذه الارض ، وهكذا دواليك…فالحياة على هذا الكوكب محكومة بالاعتدال.

اما فيما خص الانسان فللحديث عنه حساسية خاصة .

هل يمكننا النظر اليه كجزء من نظام ايكولوجي تدخل فيه الجراثيم والفيروسات وغيرها ؟ جوابي نعم،وتقديري ان الاوبئة الدورية تلعب دور الذئب مع الاغنام و دور الافاعي مع الفئران والجرذان.

ثقافة الانسان تقف ضد تحجيم الانسان او القضاء على عدد من بني البشر، فالانسان ليس كائناً عادياً على هذه الارض فكل فرد من الآدميين عبارة عن عالم فكري كامل، هذا حسب راينا،لكن للفيروسات رأي آخر وقد تكون مبرمجة لتقوم بوظيفة لا نؤيدها.

اذا تركنا فلسفة الطبيعة و عدنا الى فلسفة الانسان نلاحظ ان هناك من يجني ارباحاً وهناك من يتكبد خسائر نتيجة انتشار الكورونا، والثابت ان هناك مستفيداً ما ، بغض النظر عمن يكون هذا المستفيد. وقد يكون من المبرر احياناً الحكم على الامور انطلاقاً من نتائجها وقد يكون من المبرر اتهام جهات بشرية بنشر هذا الفيروس الجديد . والجدير بالذكر ان هناك براءة اختراع لعالم طوّر فيروس الكورونا إلى Covid19 وهي صادرة في العام 2018 ،

فهل ننظر الى هذا العالم كما الى نوبل الذي اخترع البارود لاهداف انسانية فاستعملته الجيوش في تطوير آلة الحرب و استعمله اصحاب المصالح لتدمير مصالح الآخرين ؟!

لا شك بان هذا الوباء لن يمر على البشرية مرور الكرام .بل ان هناك تغيرات جوهرية لا بد ان تطرأ.بعضها يخطط له منذ مدة وبعضها سيأتي من تلقاء نفسه ليصبح واقعاً محتما .

بدأ الحديث في دوائر رأس المال القابضة عن النقود الرقمية حيث تسحب النقود الورقية من ايدي الناس وتستبدل بالنقود الرقمية التي تخضع لانضباط اكثر دقة من حيث المراقبة ومن حيث القدرة على السطو عليها من قبل زعيم المال العالمي الاكبر.

وبدأ الحديث من قبل المنظرين في الغرب عن ضرورة ان يصاب الجزء الاكبر من الشعب بالكورونا لكي يحصل على مناعة ضد المرض، ويترافق ذالك مع نشر مفاهيم في الوسط الشبابي تصفق للوباء الذي يخلصهم من كبار السن وخدماتهم الصحية المكلفة.

يبدو ان الجيل الجديد لا ينتمي الى ثقافة احترام العجزة وكبار السن او الى ثقافة الرفق بالحيوان التي كانت سائدة في اوروبا. ويبدو ان سلطة رأس المال قد اصبحت اكثر وقاحة بعد غياب الاصوات الاشتراكية عن الساحة.فهل ستصبح الرأسمالية الرقمية أكثر توحشاً؟ وهل سيكون النموذج الصيني في المستقبل منارة لحركات التحرر وللمثقفين اليساريين الساعين الى العدالة الاجتماعية؟

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *