مي زيادة… ريحانة الشرق

Views: 1281

وفيق غريزي

 مي زيادة الشاعرة والاديبة، والخطيبة والناقدة، والرائدة في الحركة النسائية، هذه المبدعة عانت في حياتها الكثير من الالام، بالرغم من كل ما قدمته من اعمال في سبيل انماء الثقافة العربية ونهضة المرأة العربية.

لقد عاشت مي في ظل اجواء نهضوية، حيث تفجر في ذاك العصر الانطلاق الادبي، وكان توجهها من توجه هذا العصر، وقد برهنت أن الاديب لا ينسلخ عن عصره، ولا يمكنه ان يتوهج في عصر مظلم.. كما كان هذا العصر، عصر رائدات النهضة النسائية، منهن سابقات لمي، وقد مهدن الطريق لاخواتهن، ومنهن : الشاعرة عايشة التيمورية، وزينب فواز العاملية، وهدى شعراوي، وملك حفني ناصيف، والشاعرة الدمشقية ماري عجمي، والصحافية اللبنانية لبيبة الهاشم، والاديبة عفيفة صعب وسلمى صايغ وغيرهن…

 

الولادة والهجرة

ولدت مي زيادة في الحادي عشر من شهر شباط العام ١٨٨٦، من أب لبناني هو الياس زخور زيادة، من قرية شحتول الكسروانية، وأم فلسطينية هي نزهة خليل معمر، في مدينة الناصرة، التي هاجر اليها الياس وعمل مدرسًا في مدرسة الأرض المقدسة.

تلقت مبادىء القراءة والكتابة في الناصرة، ثم في مدرسة عينطورة “مدرسة الراهبات”، وكانت في الثالثة عشرة من عمرها، في القسم الداخلي، بين عامي ١٩٠٠ و ١٩٠٣. في هذه المدرسة نشأت في ظل التعاليم الدينية. وعندما تسلطت روح الاستبداد والقهر، والاضطهاد العثماني في لبنان، كانت في المقابل الحريات سائدة في مصر التي هاجر اليها الياس زيادة مع عائلته عام ١٩٠٨.

 دخلت الجامعة ودرست تاريخ الفلسفة العامة وتاريخ الفلسفة العربية، وعلم الأخلاق على المستشرق الاسباني الكونت “دو كلارزا ” وتاريخ الاداب العربية على الشيخ محمد المهدي، وتاريخ الدول الاسلامية على الشيخ محمد الخضري…

 

 صالون مي الادبي

لعبت الصالونات الادبية دورا مهما في نشر الثقافة، والقاء الضوء على انتاج الادباء والشعراء والمفكرين والتعريف بالاداب المختلفة. ودفع الادباء المغمورين الى النجاح والشهرة.

 بدأت مي صالونها عام ١٩١٣ في منزلها الكائن في شارع عدلي في القاهرة، كل يوم ثلاثاء في الاسبوع، ثم انتقل الى احدى عمارات جريدة الاهرام واستمر حتى الثلاثينات من القرن العشرين. ومن رواد صالون مي، اًعلام النهضة العربية ومنهًم : اسماع يا صبري، ولي الدين يكن، احمد لطفي السيد، احمد زكي، يعقوب صروف، شبلي شميل، سلامة موسى، اسماعيل مظهر، احمد شوقي، خليل مطران، ابراهيم المازني، عباس محمود العقاد، صادق الرافعي، وطه حسين.

نبغت مي في عصر النيو كلاسيكية، اي في عصر جرى فيه بحث الاسلوب العربي الاصيل، وروعًي فيه مقدار من التجديد البعيد عن التطرف والتكلف، وكان هم النقاد انذاك الحرص على سلامة اللغة واصالتها…

 

حياتها العشقية

حفلت حياة مي بالعشاق والمحبين كما كانت حياة جبران خليل جبران حافلة بالعاشقات، وقد احب جبران مي واحبته عبر الاثير والرسائل المتبادلة، وجبران واحد من عشاق مي الكثيرين. وثمة تشابه في التوترات النفسية بين جبران ومي.

 وفي حياة مي اكثر من رجل، سهرت الليالي من أجله، تدبج له الرسائل الطافحة بالمشاعر العشقية…

 ومن عشاقها: عباس محمود العقاد، اسماعيل صبري، احمد لطفي السيد، الرافعي، انطوان الجميل، امين الريحاني، شبل شميل، ولي الدين يكن وفرح انطون…

 

 نكبات واحزان

ما بين عام ١٩٢٩ وعام ١٩٣٢، تراكمت النكبات على مي، بموت والدها عام ١٩٢٩، بعد موت اسماعيل صبري عام ١٩٢٣، وولي الدين يكن ١٩٢١، ثم جبران ١٩٣١، ووالدتها عام ١٩٣٢، وهذه المصائب فجّرت لديها براكين الخوف والقلق، وزادت من اضطرابها النفسي، خاصة بعدما افاقت من خدر آلامها، فداهمها الواقع الضاري بكل ما انطوى عليه من اسى، منغص ويأس ناهش، فوجدت نفسها مستوحدة، لا حنان يهدهد اعماقها الصارخة، ولا عزاء يضمد الكبد العليلة، ولا شيء يعيد اليها سحر الشباب ونضارته واشراقته. وما زاد من هواجسها استغلال اقاربها لوحدتها، ليظهروا اطماعهم بثروتها وممتلكاتها، واخذوا يتحينون الفرص للانقضاض عليها. واخذت تهلوس وتصرخ “لا.. لن تاخذ مالي”.

 ذهب الدكتور يوسف زيادة الى مصر، وعاد برفقتها، وبدلا من ان يساعدها، نقلها الى “العصفورية” (مستشفى للمجانين في بلدة الحازميه)، وتم الحجر عليها زاعمين انها مجنونة، فاحتجت الصحافة على هذه الفعلة الشنيعة ضد “ريحانة الشرق”، وجراء الضغط، تم نقلها الى مستشفى ربيز، حيث زارها المفكر أمين الريحاني، واضربت عن الطعام لسوء معاملتها…

 بعد خروجها من المستشفى سكنت قرب الجامعة الاميركية، ودعيت عام ١٩٣٨ الى القاء محاضرة في الجامعة الاميركية بعنوان: “رسالة الأديب الى الحياة العربية “، فسمع الحضور اعذب صوت وشاهدوا أجمل وجه واتزان عقلي.

 بعد انتقالها الى الفريكة في ضيافة الريحاني، عادت الى مصر.

 

وفي الثامن عشر منن تشرين الاول عام ١٩٤١ ماتت ريحانة الشرق قهرا ويأسا، وعندما اسلمت الروح. لم تجد حولها لا نسيبا ولا صديقا ولا رفيقا، وكانت جنازتها مثالا في البساطة، نعش قاتم مشى خلفه: لطفي السيد، انطوان الجميل، خليل مطران وايمي خير ونفر قليل من الاصدقاء.

 كانت مي زيادة شاهدة عصرها وعكست امانيه في العديد من نتاجها الشعري والأدبي.

 أحبت وانتجت وتعذّبت وجاهدت ومضت الى عالم الخلود….

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *