استشراف شعري

Views: 839

البروفسورة أميرة عيسى

(أستاذة النقد الأدبي في الجامعة اللبنانية)

قراءة في قصيدة” بواب المدينة” للشاعر محمد الديراني، من ديوانه “خيّال على حصان طائر”  الذي يصدر قريبًا في سِدني.

 

بْوابْ المدينة

سَكّْروا… بواب المدينة

وشيلوا كل الصوَر… والزينة

وخبوا بيادر القمح… والمونة

وشرّعوا بواب الكرامة…واسمعوني….

 

من الشرق جايي… سفينة

عليها علم….. مجهول

ملوّن بدخان وغبرة خيول

يمكن غول…. الجاهليّه

يمكن العنقا…. الخياليّه

يمكن هجمة دياب….. المغول

 

ومن الغرب…. جايي سفينة

واعلام كلا منكسة…. وحزينة

قولكن جايين يعملولنا… تكريم

ويرجعولنا تاريخنا….. العظيم

 

ويردولنا الضاد… والعين

ويرفعوا عنا الظلم… والدَيْن

وع كلّ مفرق…يحفروا بير…. وعَين…

 

قولكن جايي من بعيد….هالغول

وجايب معو

خبز … وزيت… وفيول ….

 

يا ولادي…

أوعى تتركوا القصور

لي بين الجبل… والعاصمة… وصور

سَكروا… بواب المدينة… منيح

وزتوا بالبحر كلّ… المفاتيح

وعملوا ….سهرة نار بوج… هالريح

 

لازم تْلَحْقوا تحرقوا …..الكراسي

حتى تريحوا….. لبنان… من المآسي

ولمّا بتوصل …..هالسفن عالشطّ

وبدل الارجوان….. سموم… بتحطّ

ما راح يبقى من الوطن غير الدم…. والهم

وشط… وسفينة… وهيكل… مدينة…

وأم تلوّح بعيونها….. الحزينة..

 

الشاعر محمد الديراني

 

يستهلُّ الشاعر محمد الديراني قصيدته بفعل أمر ناجز لاستشعاره بالخطر الداهم للوطن، فهو يطلب من المواطنين أن يسكروا “بواب المدينة”، ويبتعدوا عن القشور “والزينة”، وأن يخبئوا “القمح” لأيام عجاف، بالاضافة إلى ذلك، فقدطلب منهم أنّ ينمّوا الناحية الانسانية عندهم مشرعين “أبواب الكرامة”، ابواب الشهامة والمحبة والإيثار. ويبدأ بوصف ما يستشعر به من خطوب: فمن الشرق يتخيّل هجوم “مجهول” قادم بأشكال خُرافيّة، مبهمة، فنرى ” الخيول” وسط “الغُبارَ ” ونرى “العنقا” “والغول”. ومن الغرب ستأتي السفينة بأعلامها “المنكسة”، وهي لا تحمل ايّ خير للوطن كما تدّعي، ويتساءل الشاعر والجواب عنده بالنفي: هل هذه السفينة سترفع الظلم عن الوطن وتقدّم له “خبز وزيت وفيول”…

بعد تصوير الوضع الخطير، يأخذ الشاعر دور الواعظ، ويتوجه الى العامة”يا ولادي” بكلّ محبة وتعاطف ، ينصحهم بأن يبقوا في بيوتهم، يتشبثون بها، وأن يغلقوا أبواب مدينتهم على الغرباء الطامعين…

وهو يطلب منهم أيضًا أنّ يثوروا على اصحاب “الكراسي” الذين سرقوا الشعب وسلبوا أمواله. ونهاية القصيدة تصور حالة الوطن إذا لم يستجب الشعب إلى هذه النصائح، فلن يبقى من الوطن سوى “الدم والهم” وسيكون الثمن غاليًا.

“بواب المدينة” قصيدة ملحميّة، كتبها الشاعر محمد الديراني، بالعامية لكي تكون أقرب إلى روح الشعب. هي قصيدة تلامس نَفَس ملحمة جلجامش، القادمة من قلب حضارة بلاد ما بين النهرين (٢١٠٠ق.م.)، وها هو خيال الشاعر يستعيد أطياف هذه الملحمة، فالثور الثائر التي ارسلته عشتار لعقاب جلجامش، هذا الأخير يقتل الثور ، وتبدأ الملحمة، الوصف ملحمي خُرافيّ يحاكي صور الشاعر في القصيدة، فنتخيّل في القصيدة، غزو وخيول جامحة وغبار وغول وعنقاء ودياب وسفن أعلامها منكّسة، وهجوم من الشرق والغرب واختلاط الدماء والدمار والمجاعة والموت وكأننا في حروب ملحمية داميّة، وكأنّ الشاعر يتوقع ماذا سيحدث في بلادنا، لهذا فهو يطلب من الشعب إغلاق الوطن وحسب رأيه الآتي أعظم…

كلّ هذا عبّر عنه الشاعر محمد الديراني بأسلوب قويّ، مستفز، يستنهض كرامة الشعب، كرامة اصبح لها ابواب تُدَقُّ…

” بواب المدينة” هي قصيدة رَحم، تحمل بذور القصّة ، فنجد المقدّمة حيث طلب الشاعر فيها تسكير”بواب المدينة”، يتلو المقدمة الاسباب الموجبة لهذا التسكير وهو الخطر القادم من الشرق والغرب، وفي النهاية يتخيل الشاعر صورة مؤلمة اذا لم يتنبّه الشعبُ للمخاطر، ويرسم صورة “شط وسفينة وهيكل مدينة وأم تلوّح بعيونها الحزينة”…

ملاحظة: بالرغم من أنّ هذه القصيدة قد كُتبَتْ قبل هجوم الكورونا على البشريّة، إلا أننا نستطيع استشعار روح هذا الفيروس في سياق الصور الملحمية التي تميّزها…

في النهاية نشكر الشاعر محمد الديراني على هذه الإضافة النوعيّة على مكتبة الشعر اللبناني المحكي في بلاد المهجر.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *