رحلةٌ إلى الأعماق

Views: 1066

لميا أ. و. الدويهي

وها هو فجرٌ جديدٌ يبزُغُ مُعلنًا يومًا جديدًا، يفيضُ في الوجود ويلمُسُ العمقَ… والإنسان؟!. يتلقَّفُ نسائمَهُ ولا يدري أنّهُ يُغذِّي الرُّوح ويُنعشُ الفؤاد…  

نعتقدُ بأنَّ الأيَّام تمرُّ بلا هوداة وأنَّنا نهدرُ وقتنا وحياتنا، إلَا أنَّ كلَّ الأشياء تعملُ معًا لخير الإنسان الذي لا يفقهُ سرَّ الوجودَ بعقلِه ولا يستشفُّ دائمًا ما يتحرَّكُ في داخِلهِ…  

أحيانًا هو يقفُ كالمُتفرِّج على ما لا يدري… يُحاولُ أن يبحثَ في العُمقِ ولكنَّهُ لايُدركُ السَّبيلَ إلى ذلك، فتجدهُ حائرًا، مُكبَّلًا، مُضطربًا، ضائعًا، تائهًا… لا يعرفُ كيفَ يُبادرُ ولا كيف يُمسِكُ بزمامِ الأمور، بينما أحيانًا، كلَّ ما وجبَ عليهِ فعله في هذا الوقت، هو «اللاشيء» الذي يحتاجُهُ لينموَ في داخلهِ ذاكَ الآتي… وكم هو مُفيدٌ ذلك الوقت لو استطعنا في عُمقِ صمتِهِ، الصَّلاة… وإن لم نستطع، لا بأس، فيكفي أن تكونَ النَّفس بحالةِ ترقُّبِ وإصغاء، علَّها تُدركُ أنَّ مَصيرَها مُتَّجهٌ نحو النمُوّ لا محالة…  وكم نحتاج إلى ثقة والتزام مع الذات والخالق لنبلغَ درجاتِ سُموٍّ في أعماقنا… المهم أن لا نعلقُ في الزَّمان…

وما الألمُ سوى بابٌ يُفتَحُ على مِصراعَيهِ لنقتنيَ ذواتِنا بأغلى الأثمان، بدموعِنا التي تغسلنا وتردُّنا إلى ذاتِنا، فخالقِنا… فلا ولوج إلى العمقِ بدون مرآةٍ للذات، التي يَصلُنا بها خالقنا… فإن نظرنا إلى ذواتِنا بعيونِ أنفُسنا، انحدرنا إلى القعر، وإذا نظرنا بعيون خالقنا، ارتفعنا وارتَقيَنا، فهو لا ينظرُ إلينا إلَّا بعين المحبَّة والقيمة والتقدير… فالإنسان أرفعُ المخلوقات، متى لامس في أعماقِهِ صورةَ خالِقِه… 

قيلَ أنَّ حياتَنا ورقةٌ في مَهبِّ الرِّيح وأنَّ أقدارَنا ليست بأيدينا… بيدَ أنَّ إرادتنا تبقى المعبرُ والمُحفِّزُ اللذين نلجُ بهما إلى صميم الوجود فنرتقي إلى أماكن دُعينا إليها، وكأنَّنا موجودونَ لإتمامها، إلَّا أنَّها لا تتمُّ من دونِ وعينا وإرادتنا وحُريَّتِنا… وما علينا سوى الإصغاء للعمقِ وهذا أمرٌ يحتاجُ إلى تمرُّسٍ طويلٍ، إذ أنَّ الإنسانَ يحتاجُ أن يتعلَّمَ كيف يُميِّزُ بينَ صوت العالم وصوت الحقِّ اللذين يَتصارعان في داخِلهِ ويتنازعانِه… هي مواجهة لا تنتهي… وأمام الإنسان خياران، إمَّا الاسترسال لأمواج الحياة التي تتقاذفهُ يُمنةً ويُسرة، وإمَّا الثَّبات على توجيهِ بوصلةِ حياتهِ مُستندًا على نداءٍ يصدحُ من الأعماق ويسوقُه إلى «قدرٍ» وكأنَّهُ وُجدَ لإتمامِهِ… هذا بدون ذكرِ لحظات الشك والتردُّد والخوف والقلق التي تجتاحُهُ لبُثنيَهُ عن عزمِه… وأنا أعتقدُ بأنَّها لحظاتٌ يعودُ فيها الإنسانُ إلى ذاتِهِ ليُدركَ حجمَهُ وليتذكَّرَ دومًا أنَّه لا قدرة له بذاتِه وإنَّما بمَن وهبَه هذه العطايا، وهو لا يَعودُ إلى التجدُّدِ من دونِ هذه الإرادة التي تدفعهُ للمُضيِّ قُدُمًا…

الإنسان؟ كتلةٌ مُتمازجة ومُتضاربة من كلِّ الأشياء… وما عليهِ سوى اختيار مَن يُريدُ أن يكون وإنَّما طبقًا لحقيقتِهِ المُتجذِّرة في حناياهِ المُستَترة فيهِ، وإلَّا سينهارُ كلُّ ما قد يتعبُ عليهِ، إن كان في الأصلِ مُنفَصِمًا عن جوهرِهِ…  

ليتنا نأخذُ فرصةً من حياتِنا ونلجُ في رحلةٍ إلى أعماقِنا، علَّنا نتعرَّفُ على حقيقتنِا المأسورة في داخلنا، فنُحرِّرُها ونطلقُ لها العنان لتقودَنا إلى حيثُ وجبَ لهذه الحياةِ أن تمضي، فنكون..

٢٣/ ٣/ ٢٠٢٠   

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *