عُبابُ الموت ظلٌّ يقين … لكنّ الإنسانيّة نعمتُنا الوحيدة 

Views: 231

علي عبد المطلب يونس 

عادةً ما نعرفهُ عن الموت أنّه لحظةُ وداعٍ مصيريّة للحياة، ولكنّ المصيرَ الذي شاء أن يتذوّقه اللبنانيّ والسوريّ مختلفٌ على مدار السنوات الأخيرة، فقد خاضا تجارب العناء بكافة أشكاله، إذ عاشا الحرب والجوع والفقد والحرمان والدمار، وفي كلّ مرةٍ كانا يتحرّران من قيدِ العتمة، وينهضان من بين مخالبِ الموتِ البطيء .

الأحداث الأخيرة بين البلدين قد أظهرت الإنسانيّة بلونها الحقيقيّ ورسالتها الفعلية، التي تدعونا دومًا إلى فكرٍ عميق الصّوت حيث نستطيعُ الوقوف بالمرصاد أمام الأبواق، التي تدعو إلى الزوال ولا شيء سواه  .  

على قدمٍ واحدة، شعبان منهمكان 

مَن مِنْ الشعب اللبناني والسوري لم يصرخ في وجه الرحيل الخبيث، ومن منّهم لم تخنقه لحظة المواساة بعد كمٍّ من الفقدان، الجمرُ من كلّ اتجاه يذكّرهم أنّ الموتَ قريب، وأنّه على عجلةٍ من أمره ليستلّ المزيد، فينتظرون الدور متشائمين من لغة الحياة التي لم تعد منصفة . فلبنان الذي يتأرجحُ مثل يتيم فقدَ رحمة والديه فجأة، يسيرُ أبناؤه  بعد حرب ودمار على قدمٍ واحدة، وأمّا سوريا التي فقدت الأحضان،فانقطعت أوصال الرحمة عنها، تنزفُ وهي تسيرُ على قدمٍ واحدة …      

طائرُ الفينيق المنكوب يحلّق في بلادِ الياسمين المجروحة   

الجراحُ التي لا تولّد الأيدي الناعمة لن تشفى أبدًا، هو طائر الفينيق الجريح لبنان الذي يخرج من أزمات عصيبة ويدخل في أخرى،يحلّق بجناحيه النحيلين إلى سوريا، بلاد الياسمين . فمنذُ أن حصلتِ الهزّة في سوريا وتركيا مسفرةً عن سقوط ضحايا، لم يتذرّع اللبنانيون الشرفاء بحججٍ لا طائل منها سوى التفرقة بين البلدين، بل نهضوا من كلّ تلك الضوضاء ليكونوا اليد الناعمة التي تخفّف الجراح . فمنذُ صباح اليوم الأول بعد الهزة، جهّز اللبنانيون بكّل الإمكانيات التي لديهم، وتلك التي استطاعوا تأمينها أنفسهم، لمساعدة الشعب السوري الذي يحتاجُ وقفةَ المروءة العربيّة .

انطلقت مجموعاتٌ شبابيّة من فريق إدارة الكوارث، والصليب الأحمر، لتقديم كلّ المستلزمات الضرورية التي تؤمّن سبل النّجاة، كما وحضر الجيش اللبنانيّ لرفع العالقين من تحت الأنقاض بمساعدة فرق الدفاع المدني، في خطوةٍ لافتةٍ لمؤازرة الشعب السوري .  لبنان كلّه نهض من أجل سوريا ليس منّةً، بل لأنّ الجراح والمروءة والإنسانية واحدة لا تتجزّأ  .

لن يكسرَنِا ما تصنعون

بغضِ النّظر عن الأبواق التي تثرثر غير آبهة بالأرواح، حيث جلّ ناظرها ينصبُّ في الدفاع عن قانون قيصر، فتجهدُ بكلّ ما أتيح لها منعَ وصول المساعدات، أرواحٌ حرّة بأنفاسٍ تدعو إلى الخير فقط، لا يأبهون لموتٍ عاديّ يُصنع أمام ذلك الموت الكبير، فهؤلاء هم وجه لبنان الإنسان،  الذين يدركون أنّ الأيدي البيضاء نعمةٌ تبعدُ طوفان الموت ولو بقليل …   

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *