زائدٌ؟!

Views: 1020

د. عماد يونس فغالي

هل تشكّل رواية “حرفٌ زائد؟” لمطانيوس ناعسي، حرفًا زائدًا في عالم الروايات؟ والمرسلَة التي تطلقها لا تزالُ حتى اليوم مرتجى حلْم الناس؟ يا ناسُ أبشروا، “فلا حروف زائدة أو ناقصة، في ذلك الكتاب، وكلّ حرفٍ فيه له موقعه ودورُه، ومحفورٌ في مكانه حفرًا”.

لن أدخلَ في تفاصيلِ الرواية، نقدًا وتحليلاً، كما عهدي بالنصوص، لسببٍ واحد، مالكٍ، أنّ ليشيّةَ كتابتِها تفوق في منظوري، الإنسانيّ على الأقلّ، الغوصَ في قراءةٍ نصيّة، كما عادةً!

في معرفتي بالكاتب، تحويلُ الصعوبةِ إلى جمال، هذا في صفاته الأساس. لكنّ سياق الرواية يدلّكَ على مواطنِ هذه الصفة وينابيعها الدافقة. أن تكون لكَ طائرة، ربّانُها قائدٌ ماهر، وتجهيزاتُها عصريّة، وطاقمها في دؤوب خدمةٍ رفيعة، هي لا تقلع من دون وقود. الوقودُ دفعُ الحياة في انطلاقتها، واستمرارِها في البقاء والعطاء. مطانيوس ناعسي، أوصلتَ الرسالة بأمانة، وأحييتَ مكامنَ النبضِ جليّةً، فلا يغرّنّ سرابٌ عقلَ امرئٍ، مهما دخلَ عميقًا في تفكيراتٍ وفلسفات، اعتبرَها إيديولوجيّاتٍ، بنى عليها معتقداته، ترّهات!

 

لكن اعذرني، في الرواية تفصيلٌ، لن يمكّنني إغفالَ مرورٍ فيه: هل سيأتي اكتشافُ علاجٍ لمرض السرطان على اعتماده يومًا، ويكون للعالم احتفالٌ به، أقصاه، شفاءاتٌ وأدناه اعترافٌ بفضلٍ وتكريم؟!

حبّذا يا صاح إن تمّ هذا، فلكَ منّي إذّاكَ، أين نكون، كلّ انحناءةٍ لنصّكَ النبويّ!!!

تحضرني هنا، في توجّه يسوعَ “يومًا” إلى أبيه مصلّيًا، آيةٌ: “أَخْفَيْتَ هذِهِ عَنِ الْحُكَمَاءِ وَالْفُهَمَاءِ وَأَعْلَنْتَهَا لِلأَطْفَالِ”. في عمقِ صمتِه العاجز، تمكّنتَ، صاحبَ الرواية، أن تضع في فكر فادي، انكشافَ دورة الحياة حولَه، ما مكّنه من تشكّل حالةٍ نورانيّة على مجرى الأحداث في السياق. ما يوجّه كلّ تأمّلٍ في حكمة الله إلى الحادث الذي أطفأ النور على انطلاقة الحبكة النصيّة، محوّله مصدر النعمة التي حصلت في الخواتيم. فالله هنا لم يُرد الحادث، كما يروق لنا أن نفهم، لكنّه يحوّل مجراه ليدفقَ الخير ويُهدي الجمال. هذا “لتكون الحياة للناس وافرة”.

يلفتُ في الروايةِ سردٌ واصف لمجرياتٍ يمرّ عليها الروائيّون عرَضًا، لبديهيّة واقعها وتستّرهم على مضامينَ خادشة. أجدُ الكاتبَ مصرًّا على إيرادها في السياق، تكوّنَ لوحاتٍ عارية، تحرّكُ الإطارَ بحركيّةِ جمالٍ لا يقبله إلاّ المترفّعون. شكرًا صديقي لإيمانكَ بوجودهم غيرَ نادرين!

يقول الدكتور الياس خليل مكرزل في قراءته: “سلّمتُ… بقدرته… في الانتقال من موضوع إلى آخر، قبلَ أن يطاول القارئ مللٌ من سردٍ آليّ، أو وصفٍ مصطنع، أو مطوّل…”. فلا تأتيكَ فكرةُ إهمال قراءة بعض التفاصيل، حتى تراه يقرأ نيّتكَ، فيعودُ بكَ عنصرُ التشويق إلى حيثُ افتقدتَه، فتكملُ جذلانَ…

قولةٌ أحبّها تراودني كلّما اكتسبتُ جديدًا: “سأنام الليلةَ أقلّ جهلاً”، حضرتني عند إغلاقي الغلافَ الأخير من روايتنا هذه، أضيفَ إليها ارتياحٌ لانفلاش الإنسانيّة والحبّ على كامل السياق في واقعيّةٍ لا لُبْسَ فيها…

شكرًا مطانيوس ناعسي، لكلّ ما قرأتُه في روايتكَ، وما يقرأه نقّادٌ ومطالعون… شكرًا لأنّكَ أهديتَنا فيكَ رسولاً ملهَمًا وفنّانًا تفتننا ألوانُ روحه انعكاسَ أدب!!!

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *