رسالةُ غضبٍ بالبريد السماوي

Views: 751

الوزير السابق جوزف الهاشم

وتظلّ “الكورونا” هي الموضوع الذي يفرض نفسه بعنفٍ على الكاتب الصحافي ، وأيُّ موضوع آخر يكون خارجاً على الموضوع.

  ويتكرّر السؤال حول هذه الآفـةِ الكونية : هل هي ظاهرةٌ بيـئيِّةٌ ، أو بيولوجية تفجَّـرت بها غريزةُ الأرض …؟ أو هي رسالةُ غضبٍ هبطَتْ على الأرض بالبريد السماوي من فوق …؟

منْ رسائل الغضب المشابهة في زمـنٍ مماثل : تلك التي ترويها التوراة عن “سدوم” المدينة الكنعانية “وعمورة” ، وقد أنـزلَ الله عليهما سيلاً من النار والكبريت لكثرةِ ما ساد فيهما من فسادٍ وانحلالٍ أخلاقي .

ولعلّ هذه المخلوقة العجائبية التي وُلـدَتْ في الصين ، تكشفُ لنا واحدةً من رسائل الغضب ، وقد كان الصينيّون يؤمنون بأنّ الأمبراطور هو إبـن السماء ، فإذا ازدهرت الأرضُ بالمواسم كانت السماء راضيةً عن إبنها ، إذا حـلَّت في الأرض الكوارث تكون السماء قد خلعتْ ثقتها بإبنها فينزع الشعبُ ثقتـه منه .

ويبدو أنَّ السماء غاضبةٌ جداً على كـلِّ أبنائها ، أباطرةَ كانوا أو شعوباً ، كلّـهم متورِّطون بالمـآثم ، الحاكمُ حاكمٌ ظالم ، والشعب ينتخب الحاكم ، الإثنان مشتركان في الجريمة ، ولأنّ الجريمة تستوجب العقاب ، فقد عوقبَ العالـمُ كلُّـه بالسجن ، السجن وراء القضبان ، والسجن وراء الأبواب .

هذه الآفـة الكونية ، لا يتساوى فيها الخطر الكارثي ، بين الدول الغنـيّة والكبيرة والدول الفقيرة والصغيرة ، وما هـمَّ الصين مثلاً ، إذا ما انهار بعضُ اقتصادها ، وقضى نصفُ شعبها فقد تنهض بـمن تبقّى ، هو الزعيم الصيني : “ماوتسي تونـغ” يـردّ على الذين هـدّدوا الصين بحربٍ نووية فيقول : “لابأس في بعض الحالات أن يموت نصف الشعب ليحيا النصف الآخر” .

وفي لبنان مثلاً : الإقتصاد منهارٌ ، وإذا تراكم عليه انهيارٌ فوق انهيار فقد  تطلب نفسه الرحمة ، وإذا مات مَـنْ تبقّـى مِـنْ نصف لبنان ، فقد يصبح شعب لبنان أولئك الذين يسمّونهم نازحين .

هذه الكوارث المتفاقمة التي تجتاح الأرض جـوراً وطغياناً وبـحورَ دماء ، عمَّـمها أصحابُ الأرواح الشريرة الذين مات الله في ذواتهم المدنّسة ، وبات الخلاص منها ومنهم يحتاج إلى أعجوبة .

الأعجوبة لا تـتمّ إلاّ بالإيمان ، والسماء لا تسمع تضرّعاتٍ غُـبَّ الطلب ، ما دام بعضُ المعابد والهياكل قد تحوّل بفعل فجـورِ التكنولوجيا إلى متاحف تشهد جريمة اغتيال الحضارات .

الذين انفصلوا عن السماء وأعلنوا مـوت الله (نيـتشه – كارل ماركس – فويرباخ – سارتر) لم يجدوا تفسيراً عقلياً مقنعاً لأحداثٍ تفوق طاقة الإنسان ، ومنهم من اعتبـر أن الإنسان هو إلـه الإنسان .

ومن الراجح حسب المفاهيم النفسية أنَّ الإنسان أكثر ما يتذكـرّ الله ويلجأ إليه عندما تحـلّ عليه الكوارث وأشباح المرض والموت .

حتى الملحدون عند استحقاق الموت يلجأ بعضهم إلى الله بالواسطة ، وقد ذُكِـرَ : أنّ لينـين زعيم الثورة السوفياتية عندما أصبح في حالة احتضار ، تـمَّ استدعاءُ بعض المسيحيـين وقيل لهم : صلّوا لربِّكم من أجله .

نعم : صلّوا لربِّكم ، وصلّـوا من أجل الذين لا يصلّون ، إنَّ لكم في الصلاة حياة ، فإنْ لم تـنتقلوا إلى رحاب الفردوس ، فقد تـتقمَّصون في الصين .

***

(*) جريدة الجمهورية  27/ 3/ 2020

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *