أَيُّها الزَّمَن…    

Views: 688

 مُورِيس وَدِيع النَجَّار

(في لَحظَةٍ مِن لَحَظاتِ الخُرُوجِ على الذَّاتِ، طَغَى فِيها يَأسٌ مَرِيرٌ، تَفَلَّتَ القَلَمُ مِن عِقالِهِ ودَوَّنَ ما دَوَّنَ مِن سَوادٍ لَم تَعتَدْهُ نَفسِي. وإِذ عُدتُ إِلى طَورِي تَساءَلتُ: أَأُثبِتُ ما نَفَثَهُ يَراعِي، أَم أُذَرِّيهِ في الرِّيحِ وأَبتَسِم؟!

وأَجابَنِي صَوتٌ صارِخ: إِنَّ لِلأَدَبِ حُرمَةً، فَلا تُدَنِّسْها بِمَقايِيسِ القِيَم. والكَلِمَةُ، مَتَى ارتَسَمَت في الرِّقاعِ باتَت حَقًّا لِكُلِّ قارِئٍ، فَلا تَخجَلَنَّ مِن عُريِها، فَهيَ سِجِلٌّ لِهُنَيهاتٍ مَرَّ بِها الخاطِرُ وَحَقَّت لَها الحَياة)

 

أَيُّها الزَّمَن…

يا قابِضًا على الأَزِمَّةِ، ومُنتَصِرًا في الشَّوطِ الأَخِير…

كَم راوَغْتُكَ بِمَكْرٍ طُفُولِيٍّ أَمامَ قَرارِكَ المَحتُومِ، فَأَنتَ مَرسُومٌ على صَفحَةِ قَدَرِي، فَكانَت هَزِيمَتِي النَّكْراء…

أَفرَحُ بِفَوزٍ آنِيٍّ، فَأَزهُو، وَتَستَخِفُّنِي الخُيَلاءُ فَأَرُوحُ، في سَكْرَةِ السَّرابِ، أَتَحَدَّى الأَفلاكَ، وأَنتَ تَرقُبُنِي هازِئًا مِن أَوهامِي، وفي قَهقَهاتِكَ شَماتَةُ الغالِبِ الباغِي…

جَعَلتَ هَيكَلِي طَلَلًا تَنُوحُ في أَركانِهِ الغُصَصُ، وَيَتَرَبَّصُنِي في زَواياهُ العَدَم.

دُسْتَ بِحَوافِرِكَ الصَّلدَةِ صَدرِي، صَدَّعتَ أَضلُعِي، هَدَمتَ جُدرانَ قَلبِي، سَدَدتَ عَلَيَّ الكُوَى، فَحَجَبتَ عَنِّي شُعاعَ الصَّباحِ، وخَنَقتَ أَنفاسِي.

صَمَتَت بَلابِلُ دَوحَتِي، فَما في أَغصانِها الشَّاحِبَةِ سِوَى عَوِيلِ الخَواءِ، وَأَوراقٍ تُذَرِّيها الرِّيحُ على أَدِيمٍ كالِح.

فَمَن لِي بِرَجاءٍ باقٍ أَسعَى إِلَيهِ بِاللُّهاثِ الكاوِي، بَعدَ بَوارٍ زَرَعتَهُ في حُقُولِي؟!

لَقَد أَحرَزتَ عَلَيَّ الغَلَبَةَ، فَهَنِيئًا لَكَ الغَنِيمَةُ الواهِيَةُ، إِنْ هِيَ إِلَا أَشلاءٌ تَؤُولُ إِلى تُراب…

أَمَّا أَنا الباقِي…

فَيَراعَةٌ أَطلَعَت في الرِّقاعِ رَبِيعًا كَسا الجَرَدَ شِيْحًا، زَيتُونًا، أَقاحًا، وَبَيْلَسانًا، في نَشائِدَ سَتَتلُوها حَناجرُ وُلَّهٌ، وَكَلِمًا يُعِيدُ إِلى الحَنايا المُغتَمَّةِ دِفئًا سَلَبْتَهُ مِنها في مُرُورِكَ المُتَوالِي ما تَتَالَتِ الحَياة…

وَإِنَّهُ لَمُسْتَعْصٍ على جَبَرُوتِك، وَلَو إِلى حِين…

فَعَربِدْ ما شِئْتَ…

قُصاراكَ أَن تَستَولِيَ على ما لا يَجُوزُ الحِقَبَ…

يَمِينًا…

لَأَبْذُرُ في دَرْبِكَ ما يُناغِي الشَّمسَ، ويَرسُمُ سَمَرَ الأَماسِيِّ بِالمِدادِ المُضِيءِ، وَيُدَوِّنُ على جَبِينِكَ المُغَضَّنِ ما تَرَكَتْ، في المَدَى، لَيالِي الوَتَرِ والكَأسِ والمِلاح!

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *