المجتمع المغربي ورمضان

Views: 1144

الرباط – نجاة بنونة

إن رمضان شهر خاص في السنة له من الأهداف الجسدية والخلقية والروحية ما يدفعنا لاعتباره بتجسيد أهدافه في حياتنا اليومية.

 اعتباره يكمن في فهمنا لجوهره وبالتالي ترجمة مراميه في أعمالنا وأقوالنا. فما هو الجوهر الذي نحن عنه غافلون؟ 

الكل يعلم أن الله سبحانه وتعالى غني عن عبادتنا وصيامنا، وإن أمرنا بالقيام ببعض العبادات فمن أجل سعادتنا وإسعاد من حولنا، فالصلاة مثلا قيمتها في الهدف الذي ترمي إليه، وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على المستوى العام، أما على المستوى الشخصي، فهي فرصة ثمينة لمن أراد أن يتعظ لأننا بطبيعتنا عرضة للخطأ وميالين لارتكاب الذنوب؛ إذن بما أن الله تعالى، وهو الذ خلقنا والذين من قبلنا ورحمة منه بنا، منحنا هذه الفرصة للرجوع إلى الصواب بالإنصات إلى النفس اللوامة؛ كما أنها فرصة ذهبية للتواصل مع خالق الكون حتى يعيش الإنسان في أمن وأمان مطمئنا في مجتمعه، مستقيما في سلوكه، بعيدا عن الانحراف والانحلال والضياع والخسران.

أما رمضان وهو موضوع مقالي فهو تحلية، وتخلية وتجلية.

تحلية: هو فرصة لنتحلى بأجمل الآداب وأسمى الأخلاق بدءا بالتحلّي بالعادات الجميلة.

 حسب الخبراء، فإن 21 يوما كافية لكسب عادة ما. ورمضان يتجاوز هذا العدد لضمان ترويض النفس على تثبيت العادات الجميلة كي تصبح جزءا لا يتجزأ من سلوكنا وطبعنا، نتطبع معها كي تصبح طبعا مع الوقت. إذن رمضان نعمة من نعم الله لتغيير أسلوب حياتنا إلى الأفضل والتحلي ما شاء الله بالأخلاق الفاضلة.

 

تخلية: إذا كان لهذا الشهر العظيم فضل تحسين أحوالنا، فهو في الوقت نفسه يساعدنا على ترك العادات السيئة وتعويضها بالحسنة النافعة لنا ولمن حولنا، حيث نصبح قدوة ونموذجا صالحا، نلهم كل من له رغبة في التطور والتقدم. ومن بين أهداف رمضان الأساسية تكريم الإنسان والرفع من مستواه كي يستحق المكانة التي أرادها الله له، وهو الذي أمر الملائكة بالسجود له، كما فتح بصيرته لكشف الكون وأسراره، وهو الذي دافع عنه عندما اتهمته الملائكة بالإفساد وسفك الدماء. فرمضان فسحة ربانية لعباده مرة في السنة، لكون الإنسان ميال بطبعه للهبوط نظرا لسهولته؛ نعمة من نعمه، التي لا تحصى ولا تعد، للرجوع إلى الصواب وتصحيح سلوكه والتخلص من كل عادة مضرة به للوصول إلى المكانة التي تليق بمقامه.

تجلية: وبطبيعة الحال، فهذا الشهر يبدأ كلفة وينتهي كلفا. إنه لا يودّعنا إلا وقد تجلّت فينا بعض إن لم أقل معظم الصفات المحمودة من تقوى، وتوبة نصوح، ومواساة، وتضامن، وتآلف، وتجديد الإيمان فضلا عن المنافع الصحية؛ لأن في الصوم راحة للجسد وتصفية من بعض السموم لانبعاثه من جديد لو احترم الإنسان الحمية المطلوبة.

إن الإنسان ليتوهم أنه غير قادر عن الإقلاع عن التدخين، وهو أمر غير ضروري وغير مباح، لكنه يدرك في هذا الشهر الفضيل، أنه يمتنع وبمحض إرادته وبشعور من الفرح والبهجة، عن ما هو مباح وضروري؛ فالأولى به أن يمتنع عن ما هو غير ضروري وغير مباح. إذن يكفيه أن يتسلح بالعزيمة القوية والنية الحسنة للتخلص من أي إدمان يدرك مضرته وخطورته.

 

تجربة الحرمان

إن الصيام، وهو الإمساك عن الطعام والشراب لفترة معينة من الزمن يهدف كذلك لدفع الإنسان أن يجرب الحرمان الذي يعاني منه الفقير وذو الحاجة طيلة السنة، ولعل هذا الحرمان يحرك مشاعر الرحمة والعطف لدى الميسورين حتى يساعدوا المحتاجين على قضاء حاجياتهم. وهكذا يمكن للإنسان أن يتجرد من أنانيته بالتفكير في الآخرين ويساهم في معالجة الفقر لأنه آفة خطيرة على المجتمع كما قال النبي (ص) في حديث له: “كاد الفقر أن يكون كفرا” إذن يصبح الإنسان مقسطا ليحبه الله وليتفادى أن يكون حطبا لجهنم “اما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا” وفي سورة الممتحنة “إن الله يحب المقسطين” 

ومميزات رمضان لا تنحصر في هذه الأمور، بل هناك خصائص أخرى عديدة منها الصبر الجميل على تحمل الجوع والعطش، ولما كانت شهوة الأكل ضرورة وغريزة قوية لدى الإنسان، فإن الله سبحانه وتعالى أراد أن يعلم الإنسان ضبط هذه الغرائز المندفعة بترويضها على الحرمان، وهكذا تنشأ لدى الفرد تلك الإرادة الضابطة فيستفيد منها الفرد طيلة حياته، وتصبح لديه القدرة على ضبط جل غرائزه وانفعالاته. 

خلاصة القول، لرمضان فوائد لا حصر لها ومعظم المسلمون عنها غافلون. وللأسف الشديد إذا نحن أمعننا النظر في واقعنا المعاش، فإننا نرى كل ما يتنافى مع هذه القيم والتعاليم التي يرمي إليها رمضان من غلو في الأكل، وإفراط في المظاهر، والانفعال السريع ولأتفه الأسباب بل والخروج عن الدين أحيانا. فما إن يحل هذا الشهر، إلا وتطالعك أفواجا من البائعين المتخصصين بهذا الموسم يعرضون كل ما لذ وطاب من مأكولات ومشروبات بل ويبدعون فيها ايما إبداع لجلب أكبر عدد من الناس من جميع شرائح المجتمع (!!!!) ومع غروب الشمس، ترى المائدة مرصعة بجميع أصناف الأكل والشراب وكأن اهتمامهم الوحيد وهمهم الأساسي تحضير تلك المائدة التي غالبا ما تكون جل مكوناتها مضرة بصحة الإنسان من حلويات وفطائر ودهنيات غير عابئ بالعواقب وما تجره من ويلات.

 

نصيحة الأطباء

 كلنا نعلم أن الأكل بالليل يضر أكثر مما ينفع، ولذا ينصح الأطباء بتناول وجبات جد خفيفة من خضر وفواكه، كما يؤكدون على تناولها في ساعة مبكرة. وعادة ما يأكل الناس كل ما لا ينفع وبصفة عشوائية بساعة متأخرة من الليل اعتقادا منهم أنهم سيجنبهم الشعور بالجوع. فحبذا لو كان اهتمامهم بمعدتهم على قدر اهتمامهم بعقلهم وروحهم لاختلف الأمر ورضي الله عنهم لأنهن سيكونون قد تبنوا الأسلوب الصحيح والسليم في الحياة. ولو تمعنوا قليلا وفهموا مغزى رمضان، لأدركوا أنه شهر العبادات بمفهومها الواسع: الجانب النظري والعملي. شهر يتيح لنا الفرصة كل سنة للحوار مع أنفسنا والتصالح معها بدرس وتحليل سلوكياتنا وأفكارنا وإعادة النظر في تقييم الأشياء من جميع الزوايا، وبالتالي تبني أسلوب حياة سليم آمن وراقي منسجما مع الأوامر الإلهية والتعاليم النبوية لإثبات غاية وجودنا بإرضاء الله ورسوله. شهر نجدد فيه إيماننا بالله، نتقرب إليه أكثر بتصحيح مواقفنا وتعزيز عبادتنا بعد استيعاب جوهرها الذي لا يقف عند ممارستها الآنية وذلك عبر القراءة المتنوعة التي تنير لنا الطريق وتكشف لنا الأسرار الربانية وسير الأنبياء والصالحين حتى نستلهم من أساليب حياتهم ومواقفهم وتخصيص وقت لقراءة القرآن وتدبر معانيه والحرص على حضور ندوات دينية لفهم واستيعاب القيم الإسلامية الصاحة لكل زمان ومكان. ولولا فضل مولانا الكتاب علينا ورحمة منزله لكنا من الخاسرين. شهر نتصالح فيه مع من يخالفوننا الرأي ومع من حصلت بيننا وبينهم قطيعة لسبب ما، وغالبا ما يكون السبب دون قيمة تذكر.

 

 لكن النفس الأمارة بالسوء، تقودنا إلى الهلاك ونقطع ما أمر الله به أن يوصل. شهر أخذ القرارات الصائبة والسليمة كأصحاب العادات السيئة مثل المدمنين سواء على الخمر، السيجارة أو المخدرات أو تاركي الصلاة، وقد يكون هذا الشهر فاتحة خير عليهم وعلى ذويهم. 

 ولو كان الأمر كذلك لاختلف الوضع، ولكان انطباعا آخر يخيم على المدينة منسجما مع روح هذا الشهر وأهدافه العليا من تقويم الأخلاق وتقديم الإحسان، وتنظيم ندوات ومحاضرات ممتعة ومفيدة للجميع تغذي الروح والعقل. 

أعتقد أنه آن الأوان أن نصلح الوضع ونأخذ الأمر بجدية. وعلى جميع الفاعلين من أولياء الأمور والمربين والأساتذة والإعلاميين والصحافيين والفنانين أن يقوموا بحملات تحسيسية لإعادة الأمور إلى نصابها لأن السيل بلغ الزبى والعواقب مكلفة والمستقبل غير آمن ؛ لكن لنبقى متفائلين واثقين بقدرة الله وعطفه وفضله علينا لإصلاح شؤون أمتنا باسترجاع همتنا وعزتنا حتى نستحق المكانة العالية التي رسمها لنا خالقنا ” كنتم خير أمة أخرجت للناس” والخيرية والأفضلية مرجعها لصلاح وأخلاق الأمة.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *