نقطة الذُروة واتخاذ القرارات الصعبة

Views: 1071

العميد الركن صلاح جانبين

الذُروة بشكل عام هي أعلى وأرقى الأشياء، وأقصى ما نصل إليه من بأس وقوة، واللحظة الحاسمة لشدّة الأحداث الدائرة، وهي القيمة الرياضية المطلقة العظمى التي نطمح الوصول إليها، أو قد نصل إليها مرغمين. 

تتمثّل نقطة الذُروة في اللحظة التي تتصاعد فيها الأحداث على اختلاف دلالاتها ومعانيها(اجتماعية، اقتصادية، عسكرية، صحية،…) وأهدافها وتوجّهاتها(إيجابية، سلبية) وتشتد حتى تبلغ قِمَّتها وتبدأ دلائل وتباشير ومقوّمات انحدارها وهبوطها.

وفي العلم العسكري مثلاً، ومن أهداف الهجوم كما في الدفاع، هو تدمير قوات العدو واحتلال أرضه أو جزء منها وإخضاع إرادته. فقد نستطيع تحويلأي هجوم إلى دفاع قوي، وكل دفاع إلى هجوم معاكس فعّال،حيث يتلقّى فيه العدو ضربة قوية تقلبُانتصاره إلى هزيمة، باستغلال مواطن ضعفه، وبلوغه نقطة الذُروة للإنقضاض عليه وتحقيق النصر. ولكن لا ينجح الهجوم المعاكس،إلاَّ بتوافر القوى المادية والمعنوية، والدراسة المتأنية، والحكمة القيادية لتحديد تلك النقطة والترقّب الدائم لتقدّمالقوة المهاجمة مع ما لديها من احتياطات،والوقت المناسب التي تكون فيها لحظة تناقصها وعدم جدواها وفعاليتها أو مقدرتها على المتابعة.

 

ولا يغيب عنا تلك الأحداث والمآسي التي مررنا بها في لبنان(اقتصادية، اجتماعية، مالية، فساد، افلاس، تهريب أموال، اقفال مؤسّسات، بطالة، غلاء أسعار، احتكار، استغلال التجار،… )، وما زاد الطين بلّة ما نمرُّ به وما أصابنا أيضاً مع العالم أجمع من داء وبلاء وانتشار للأمراض والفيروسات(الكورونا المعدّل)، وتفكّك للمنظّمات، وتهاوي أنظمة ومجتمعات، واقفال للمدارس والجامعات والمصانع والمؤسّسات والإدارات والمرافق الحيوية، كما إقفال للحدود البرية والجوية والبحرية بين الدول، ومعاناة الأطباء والكوادر الطبية وعملهم الشاق ليلاً نهاراً في سبيل صحة وشفاء المرضى والمصابين، وعجز العلماء أقلّه حتى تاريخه عن تقديم اللقاحات والعلاجات الناجعة، كما المستشفيات والمراكز الصحية عاجزة عن استيعاب أعداد المصابين اليومية المتزايدة، ناهيك عن الخوف والهلع والإضطرابات النفسية والاجتماعية المرافقة للناس من كُلِّ حَدَبٍ وَصَوْبٍ، لم يشهد العالم بمثله عبر التاريخ القديم والمعاصر.

فلا فرق عند البشر مصدر الفايروس القاتل، وإذا كان انتشاره متعمّداً عن سابق تصوّر وتصميم تقوم به جهة طبية أو دولة ما، أو مجموعة دول لغايات مالية واقتصادية بحتة، أو كان تسرّباً بيولوجياً ناتجاً عن خَطَإٍ فردي غير مقصود لم تكن تبعاته مقدّرة وتداعياته محسوبة.

لكن إذا عدنا بالتاريخ قليلاً إلى الوراء، أي إلى العقد الأخير من القرن العشرين وانهيار الاتحاد السوفياتي وسيطرة القطب الأميركي الأوحد سياسياً واقتصادياً وعسكرياً بموافقة مرغمة من قبل الغرب الأوروبي لأكثر من ثلاثين سنة، ولاحقاً تفكّك وخلخلة وتدمير بنيان الدول العربية بواسطة الحروب الداخلية المصطنعة التي تكبّدت فيهاخسائر بشرية ومادية غير مسبوقة، وما يمكن أن يتبعه من دول خليجية، حيث انقسم العالم عمودياً بين سياسة مؤيدة لسيطرة الأميركي ومن معه من الغرب من جهة، وبين الصين وروسيا ومن معهما من بعض الغرب والشرق من جهة أخرى. 

كلُّ ذلك يدل على احتدام الصراع بين الكبار لضرب السيطرة الأميركية الآحادية، ونهوض المارد الصيني واثبات مكانته وإمكاناته في العالم.

فمن يقدر على الصعيد العالمي استغلال فرص وصول الفايروس القاتل(الكورونا المعدّل) إلى نقطة ذُروة انتشاره وقتله العديد من البشر، ويقوم بالانقضاض على عدوه أو خصمه في أحسن الحالات لتحقيق أهدافه الاقتصادية؟

ومن يقدر على الصعيد المحلّي استغلال فرص ذروة وصول المصارف إلى قمة أرباحها من أموال الفقراء، وعدم استجابتها لرد أموال صغار مودعيها، ويقوم باتخاذ القرارات الجريئة للانقضاض عليها حتى تستقيم أمور الناس؟

ومن يقدر على استغلال وصول كبار الفاسدين إلى ذُروة فسادهم ونهبهم للمال العام، ويقوم باتخاذ القرارات الصعبة للقضاء عليهم وعودة المال إلى أصحابه؟

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *