كورونا وأمراض القلب والشرايين

Views: 516

د. طلال حمود

(طبيب قلب وشرايين- مُنسّق مُلتقى حوار وعطاء بلا حدود)

١-الإصابة بفيروس كورونا عند المرضى الذين خضعوا لعمليّة زراعة قلب:

من المعروف أنّ المرضى الذين خضعوا لعملية زراعة قلب هم مرضى مُعرّضون بكثرة للإصابة بمعظم الأمراض الجرثوميّة، لأنّهم يتناولون أدوية تعدّل وتخفّف من عمل جهاز المناعة. ولذلك عليهم أكثر من غيرهم أخذ الحيطة والحذر نتيجةً لذلك. وقد نشر الخبراء الصّينيّون عدّة دراسات أثبتت أنّ هناك عددًا من المرضى الذين خضعوا لهكذا عمليّات(زراعة قلب) والذين أُصيبوا بفيروس كورونا الذي تم علاجه بسرعة هائلة وبشكل مُتشدّد جداً، بواسطة جرعات كبيرة من الأدوية المعدِّلة لجهاز المناعة، وبواسطة جرعات عالية من الكورتيزون ومن المضادات الحيويّة وبواسطة حقن معدِّلات للمناعة(الغلوبولين المناعيImmunoglobulins) .

وقد أظهرت الدّراسات أنّ هؤلاء الأشخاص أمكن إنقاذهم بواسطة هذه العلاجات السّريعة والقويّة جداً. ومن هنا تنبع أهميّة الكشف المُبكِر عن أعراض هذا المرض (الإصابة بفيروس كورونا) عند هؤلاء المرضى وعلاجهم بأسرع وقت مُمكن، لمنع تدهور حالتهم خاصّةً وأنّهم يُعْتَبَرون من المرضى الضُّعفاء جداً لا سيما من ناحية عمل جهاز المناعة.

ومن هنا تنبع أيضاً أهميّة أنْ يتمّ الكشف بشكلٍ دوري على احتمال الإصابة بفيروس كورونا عند الأشخاص الذين يتبرّعون بأعضائهم للتّأكُّد من عدم وجود إلتهابات فيروسيّة حادّة او مُزمنة عندهم، أو للتّأكّد أنّ الالتهابات الفيروسيّة قد حدثت في السّابق وقد كوّن جسم المتبرّع بقلبه مضادات مناعيّة او الأجسام المناعيّة (Antibodies) ضد هذا الفيروس، ممّا يجعل عمليّة زراعة هذا القلب آمنة عند المريض المُتَلقّي لهذا القلب.

كذلك يجب كشف أو فحص المريض المُتلقّي ومعرفة تاريخ الأعراض عنده وكشف إمكانيّة تعرّضه في الماضي لفيروس كورونا، لمنع أية أعراض إو اختلاطات جانبيّة بعد عمليّة الزرع، لأنّنا كما نعرف أنّ المريض المُتلقّي للقلب الطّبيعي سوف يتم علاجه بواسطة أدوية قويّة لكبح جهاز المناعة، وهذا ما يُعرّضه في حال تعرّضه لفيروس كورونا لالتهابات فيروسيّة خطيرة ومُحرجة قد تُهدّد حياته. ومن هنا يجب علينا إذاً التّأكّد من أنّه غير مُصاب أو أنه قد حصلت عنده مناعة ضد هذا الفيروس عبر فحص الأجسام المناعية (Immunoglobulines) عنده، وهو ما يعني المضادات التي فرزها جسمه ضد هذا الفيروس عند التّعرّض له.

 

٢-إلتهابات عضلة القلب والذبحات القلبيّة الحادّة:

من الثّابت حتى اليوم أنّ الإصابة بالتهابات فيروس كورونا تؤدّي إلى أضرار فادحة في خلايا عضلة القلب وإلى الإصابة بالتهابات خطيرة في هذه العضلة (Myocarditis)، وبالتالي إلى إرتفاع معدل الخمائر الموجودة في هذه الخلايا في الدّم(high troponin level).هذه الأضرار قد تكون ناتجة عن نقص في تروية هذه الخلايا العضليّة القلبيّة، أو قد تكون ناتجة فقط عن اختلال التوازن الدقيق الموجود عادة بين كميّة الأوكسجين الواصلة إلى الخلايا واحتياجات هذه الخلايا بسبب إصابتها بالأضرار الناتجة عن الالتهابات وازدياد حاجاتها من الأوكسيجن.

هذه الإصابات والأضرار في خلايا عضلة القلب ناتجة عن الهجوم المُباشر للفيروس على هذه الخلايا القلبية، وتزداد بشكلٍ كبير خاصةً عند المرضى الذين يُعانون من نقص كبير في الأوكسيجن في الدم ومن “متلازمة قصور التّنفس الحاد” والتي غالباً ما تُصيب المرضى الذين يُصابون بالفيروس بشكلٍ مُفاجئ ودون أي سابق علامات أو إنذار، بحيث تتدهور حالتهم بشكلٍ كبير ويحتاجون إلى كميات كبيرة من الأوكسيجن قد تصل إلى ١٥ ليترًا في الدقيقة، لكي يقدروا على الاستمرار على قيد الحياة وبصعوبة كبيرة، والى وضعهم سريعاً على آلات التّنفس الاصطناعي في أغلب الأحيان.

وقد أشارت عدّة دراسات أنّ المرضى الذين يصابون بهكذا اختلاطات رئوية خطيرة حادّة يرتفع عندهم مُعدّل الأونزيم القلبي (Troponin I) بشكل كبير في الدم، وهذا مؤشر خطير على أنّ حالاتهم ذاهبة نحو تدهور أكبر وكثيراً ما يتوفّون نتيجةً لذلك.وهنا لا بدّ من الإشارة ايضاً إلى أنّ تغيّرات تحصل على تخطيط القلب وعلى الصورة الصّوتيّة للقلب عند نسبة كبيرة من هؤلاء المرضى الذين يدخلون إلى غرف العناية الفائقة، وإلى انّ مُعدّل هؤلاء المرضى يتراوح بين ٧ الى ١٧ %. ويتّفق معظم أطباء العناية الفائقة أنّ المُعدّل الوسطي لهؤلاء المرضى هو ٥% من المرضى الذين يُصابون بالتهابات فيروس كورونا.

ويؤكّد الكثير من الخبراء أن إلتهابات عضلة القلب التي قد تكون خبيثة جداً في بعض الأحيان هي السبب الأساسي للوفاة ولقصور القلب. وأنّ الدِراسات التي اسْتُعْمِل خلالها وسائل التصوير بواسطة الرّنين المغناطيسي أو الدراسات التي أُجْرِيَتْ على عضلة القلب بعد الوفاة أظهرت أنّ هناك التهابات خطيرة واجتياحًا شاملا للعضلة بواسطة فيروس الـ Covid-19 مع وجود ضرر كبير في خلايا عضلة القلب وكل مكوِّناتها الأخرى.

وهناك دراسات أخرى أكّدت في المُقابل أنّ هذه الالتهابات القويّة في العضلة إضافة إلى هبوط الضغط الشرياني وإفرازات مواد مُتعدّدة يُنتجها جهاز المناعة في محاولته الدّفاع عن الجسم والتي قد تكون بدورها مؤذية جداً لعضلة القلب، وانّ كل ذلك يؤدي إلى تفسّخ او إنسلاخ او إنقطاع للكتل الدهنية وللإنسدادات الموجودة داخل الشرايين عند هؤلاء المرضى، ممّا يؤدّي بدوره إلى حصول ذبحات قلبيّة حادّة خطيرة عند هكذا مرضى مصابين أصلاً بقصور رئوي، وبحيث تأتي الذبحة القلبيّة التي تؤدّي إلى ضرر كبير في قسم كبير من العضلة القلبية عندهم، لتزيد من تفاقم حالتهم وتعجيل وفاتهم. وممّا يزيد في تعقيد الأمور أنّ الأعراض النّاتجة عن الالتهابات بفيروس كورونا قد تكون أعراضًا مُشابهة للذبحة القلبيّة مع ألم صدري قوي ووجود تغيّرات على تخطيط القلب، وهذا ما قد يوجّه الطبيب نحو علاج المريض وكأنّه مريض قلب، بينما وبكل بساطة إنّ الأعراض التي يعاني منها هي ناتجة عن إلتهابات فيروس كورونا، ومن هنا صعوبة تشخيص وعلاج هكذا حالات بسبب تشابكها وتشابه اعراضها.

 

٣-إضطرابات ضربات القلب والموت المفاجئ:

يُؤكّد معظم الخبراء أنّ الإصابة بفيروس كورونا تُعرّض المريض للإصابة باضطرابات خطيرة في ضربات القلب. وأنّ معظم المرضى الذين يُصابون بهذا الفيروس يَشكون في البداية من عدم انتظام أو تسرّع في ضربات القلب.

وتصيب اضطرابات ضربات القلب الخطيرة حوالي ١٦% من المرضى الذين يدخلون إلى المستشفيات وخاصة المرضى الذين يدخلون إلى غُرف العناية الفائقة للأسباب التي شرحناها سابقاً. وتزداد هذه الاضطرابات مع وجود خلل أو عدم توازن في الأملاح في الدم وهي شائعة عندهم وخاصة نقص البوتاسيوم، اضطرابات ومشاكل الجهاز الهضمي وهي موجودة ايضا بكثرة عندهم، نقص في الأوكسجين في الجسم، زيادة إفراز بعض المواد والهرمونات المُؤذية والناتجة عن إلإلتهابات العامّة التي تجتاج كل الجسم أو نتيجة الإلتهابات المُؤكدة الموجودة في عضلة القلب، وهي المُؤشرات الكثيرة التي تكلّم عنها الخبراء وتشرح وتُوضح سهولة إمكانية حصول اضطرابات خطيرة ومُميتة في كهرباء القلب عند هؤلاء المرضى.

 

٤-قصور القلب والصدمة القلبية الحادّة:

أشار الخبراء أنّ قصور القلب يصيب حوالي ٢٣% من المرضى الذين يحتاجون للدخول الى المستشفى. وأنّ هذه الظاهرة تظهر بنسب أكبر عند المرضى الذين يعانون من قصور في الكلى. واشاروا أنّ مُستقبل هؤلاء المرضى يكون قاتلاً في أغلب الأحيان، إذ أنّ معظمهم يتوفّون نتيجةً لذلك. وهنا لا بُدّ لنا ان نُشير إلى أنّ قصور القلب يتفاقم بسرعة أكثر عند المرضى المعروف أنّهم يعانون من ضعف في وظيفة عضلة القلب، إذ تأتي الالتهابات الفيروسية وأعراضها الرئوية لكي تفاقم حالتهم وتدهورها، وهنا ايضاً نُشير إلى أنّ بعض المرضى يدخلون المستشفى بسبب حالة صدمة قلبيّة حادة مع احتقان رئوي حاد وهبوط كبير في الضغط الشرياني وفشل مُتعدّد في معظم أعضاء الجسم، وخاصة الكبد والكلى مع وجود أضرار في الدماغ وحالة كوما او غيبوبة شبه كاملة، كل ذلك دفع الكثير من الأطباء إلى البحث العميق والدقيق لمعرفة أسباب الصدمة التي أدخلت المريض إلى المستشفى، وهل هي قلبيّة أم رئويّة أو مشتركة قلبية-رئوية، لأنّ الفيروس يضرب كما قلنا القلب والرئتين في آنٍ واحد، ولأنّ لدى أطباء القلب أجهزة اصطناعية لمساندة عضلة القلب الأيسر أو الأيمن أو الاثنين معاً.

وقد حاولت بعض الفِرَق الطّبيّة مساندة قلب هكذا مرضى بواسطة هكذا أجهزة اصطناعيّة خارجيّة، لكنّ النتائج لم تكن مُوفّقة في كثير من الأحيان بسبب هذا التشابك القائم بين عمل القلب والرئتين، ولأنّ هذه الأجهزة تنفع فقط في حال كانت الإصابة قلبيّة. ولا نزال هنا بحاجة للمزيد من الدراسات لمعرفة المزيد حول هذا الفيروس ومتى يجب إستعمال أجهزة المساندة القلبية الخارجيّة التي تشبه إلى حدٍّ ما أجهزة القلب الإصطناعي.

٥-الجلطات الرئوية والوريدية: يظهر من تقارير مُهمّة من الأطقم الطّبيّة العالمية أنّ الإصابة بفيروس كورونا تؤدّي إلى زيادة احتمال حصول جلطات صغيرة او كبيرة في الأوردة الموجودة في جميع أنحاء الجسم، والتي بدورها قد تهجر إلى الرئتين وتتسبّب في جلطات رئويّة حادّة خطيرة، تؤدّي إلى تفاقم حالة هؤلاء المرضى، لأنّ هكذا جلطات رئويّة تقلّل من نسبة الأوكسجين في الجسم، وبالتالي تؤدّي الى مضاعفات خطيرة عند هؤلاء المرضى الذين هم أصلاً في حالات حرِجة.

 ويأتي هذا العامل أيضاً نتيجةً لمكوث هؤلاء المرضى لأيّام عديدة في غُرف العناية الفائقة دون أيّة حركة لأنّهم في حالة (كوما إصطناعية) لإراحة الرئتين قدر الإمكان، ممّا يتسبّب عندهم بحصول تجمّع للدم في الأطراف خاصّة السفلى منها وفي أوردة البطن والحوض أيضا، وبالتالي لحصول هكذا جلطات مُميتة ايضاً.

ومن الخبراء مَن أشار إلى أنّ حالة الالتهابات العامّة وخلل عوامل التّجلط في الدم وخلل عمل خلايا بطانة الأوردة والشّرايين الذي يصيب هؤلاء المرضى في كل أنحاء الجسم، كل ذلك يؤدّي إلى زيادة كبيرة في هذه الجلطات.

كل ما ذكرناه يشير إلى أهميّة الوقاية من كل هذه الاختلاطات الجانبيّة عند هؤلاء المرضى عبر إعطاء مضادات التّجلّط والتّخثّر المُناسبة لكل حالة بحالتها، حسب وظيفة الكلى والكبد وغيرها من العوامل عند كل مريض وحسب اجتهادات الأطقم الطبّية في كل مركز علاجي.

 

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *