في مواجهة العقل الكوروني

Views: 846

حسن عجمي

   يتكوّن العقل الكوروني من فيروسات كورونية متعدّدة ومتنوّعة قابلة للتطوّر والاستيلاء على العقل البشري السليم وتحويله إلى رهينة الجهل والتخلّف ومن ثم قتله بعد الانتقال إلى عقول أخرى واغتيالها. الفيروس الفكري الأساسي في العقل الكوروني يتمثل في رفض العِلم والمنطق. وحين يتطوّر هذا الفيروس الكوروني الأساسي من جراء عدم محاربته بالتفكير العِلمي والمنطقي الصحيح يتحوّل إلى فيروسات كورونية متنوّعة ومتطوِّرة في عمليات قتل العقول. من تلك الفيروسات الكورونية المتطوِّرة فيروس تقديم الجهل على أنه عِلم وفيروس تقديم العِلم على أنه جهل وفيروس تشويه المفاهيم ومعانيها. 

   الفيروس الكوروني الأساس ألا وهو رفض العِلم والمنطق يتشكّل من سلسلة جينية معلوماتية مفادها أنَّ النظريات العلمية تُستبدَل بشكل دائم (كاستبدال نظرية النسبية لأينشتاين بنظرية نيوتن العلمية) وبذلك يجب عدم الوثوق بالعِلم ورفضه كمصدر للمعرفة. هذه السلسلة الجينية المُكوِّنة للفيروس الثقافي الأساسي تحتوي على معلومات مترابطة فيما بينها تماماً كأي جين بيولوجي أو أية سلسلة جينية بيولوجية مُتكوِّنة من معلومات على ضوئها يتشكّل الجسد البيولوجي ويتصرّف. وهذه المعلومات الكاذبة والمخادعة الكامنة في الفيروس الأساسي (ألا وهو فيروس رفض العِلم والمنطق) هي التالية: إن كان العِلم مصدراً للمعرفة الحقة فحينئذٍ لا بدّ أن يكون العِلم يقينياً غير قابل للشك والمراجعة والاستبدال. لكن العِلم لا يُقدِّم يقينيات ونظرياته تُستبدَل بأخرى بشكلٍ مستمر. وبذلك العِلم ليس مصدراً للمعرفة. ولذلك لا بدّ من رفضه. هكذا يتكوّن الفيروس الكوروني الأساس من سلسلة جينات معلوماتية خاطئة قادرة على السيطرة على العقل واغتياله.

 

اضطراب جيني معلوماتي

   هذا الفيروس الكوروني الأساسي الخبيث هو بمثابة اضطراب جيني معلوماتي لأنه يستنتج النتائج الخاطئة بدلاً من الصادقة ما يمكّنه من قتل العقول السليمة علمياً ومنطقياً. فاستبدال النظريات العلمية بأخرى دلالة على أنَّ العِلم عملية تصحيح مستمرة. ولذا لا يسجننا العِلم بيقينيات مطلقة غير قابلة للشك والمراجعة والاستبدال ما يُحرِّر عقولنا ويضمن تطوّر معارفنا وتطوّر الإنسان وحضارته. وبذلك استبدال النظريات العلمية بأخرى فعدم احتواء العِلم على يقينيات دليل على مصداقية التفكير العلمي لأنه يُحرِّر العقول ويُطوِّرها بدلاً من أن يسجنها ويقتلها ما يستدعي قبول العِلم بدلاً من رفضه. 

   بما أنَّ العِلم خالٍ من اليقينيات بحيث يستبدل نظرياته بأخرى، إذن العِلم مصدر للمعارف المتطوِّرة باستمرار بفضل الاكتشاف المستمر لنظريات علمية أفضل من النظريات العلمية التي نشأت في الماضي ما يسمح باستبدال النظريات وسيادة النظريات العلمية الأفضل. فالعِلم مصدر للمعرفة الحقة لأنَّ المعرفة الحقة هي القابلة للتطوّر المستمر من خلال اكتشاف نظريات علمية أفضل واستبدال النظريات. من هنا يكذب الفيروس الثقافي الكوروني الأساس المتمثل برفض العِلم والمنطق (لأنَّ عدم احتواء العِلم على يقينيات فضيلة وليست رذيلة) ما يؤكِّد على أنه مجرّد اختلال جيني معلوماتي لا يُنتِج سوى قتل العقول السليمة.

   يتطوّر العقل الكوروني بتطوير التخلّف وذلك من خلال فيروسات تقديم الجهل على أنه عِلم وتقديم العِلم على أنه جهل وتشويه معاني المفاهيم ودلالاتها. بكلامٍ آخر , يتطوّر فيروس رفض العِلم والمنطق فيُنجِب فيروسات فكرية كورونية متعدّدة كالفيروسات السابقة. من هنا يولد فيروس تقديم الجهل على أنه عِلم كتقديم نظرية المؤامرة على أنها عِلم رغم أنَّ أية نظرية من نظريات المؤامرة ليست علماً حقيقياً لأنها غير قابلة للتكذيب أي غير قابلة للاختبار. 

   مثل ذلك أنَّ النظرية القائلة بأنَّ فيروس كورونا مؤامرة أصحاب رؤوس الأموال أو مؤامرة بعض الدول لقمع الشعوب والسيطرة على العالَم ليست نظرية علمية لأنه مهما حَدَثَ من أحداث فلن يتمكّن أيُّ حَدَثٍ من تكذيب هذه النظرية ما يجعلها غير قابلة للاختبار فغير علمية. فإن نجت الشعوب من الهلاك فسيُقال إنَّ هذا قرار المتؤامرين وإن لم تنجُ فسيُقال إنَّ هذا أيضاً قرار المتؤامرين. وبذلك يستحيل اختبار هذه النظرية ما يجعلها غير علمية.

 

تشويه معاني المفاهيم ودلالاتها

   أما مثل على فيروس تقديم العِلم على أنه جهل فهو اعتبار العِلم ليس مصدراً للمعرفة لكونه خالٍ من اليقينيات. ومثل على فيروس تشويه معاني المفاهيم ودلالاتها هو اعتبار الديمقراطية مجرّد انتخاب ممثلي الشعب ورئيس الدولة بينما الديمقراطية الحقيقية هي حُكم الحقوق الإنسانية كحق كل فرد في أن يكون حُرّاً وحقه في أن يُعامَل على ضوء مبادىء المساواة كالمساواة أمام القانون والمساواة في الفرص والمساواة الاجتماعية والاقتصادية. حين تَسُود هذه الفيروسات العقلية تنهار الحضارة وتموت بموت عقولها ما يُحتِّم سيادة التخلّف والجهل. من هنا الحضارة كائن حيّ يقاتل تلك الفيروسات بقبول التفكير العلمي والمنطقي والمشاركة في إنتاج العلوم. 

   يحيا العقل الكوروني في عقل كل إنسان بشكلٍ غير مُفعَّل وغير فعّال تماماً كما يحيا فيروس كورونا في أجساد البشر من دون أن يكون فعّالاً وقاتلاً. لكن حين يرفض العقلُ العِلمَ والمنطق يُفعَّل العقل الكوروني ويصبح قاتلاً للعقل السليم تماماً كما يُفعَّل فيروس كورونا ويمسي قاتلاً لأجساد البشر حين تحيا الأجساد في ظروف صحية سيئة. وكما يجتاح فيروس كورونا العالَم مُهدِّداً حياة الإنسان وحضارته يجتاح أيضاً العقل الكوروني العقول البشرية ويقتلها. أما الشفاء من العقل الكوروني فكامن في قبول العِلم والمنطق والمشاركة في إنتاج العلوم لكونها خالية من اليقينيات التي تسجن العقل وتغتاله. البيئة الفكرية الصحية الكامنة في قبول العِلم وإنتاجه خير وقاية وعلاج للمرض العقلي الكوروني تماماً كما البيئة الصحية للجسد الحيّ خير وقاية وعلاج لفيروس كورونا القاتل. العقل الكوروني أخطر من فيروس كورونا لأنَّ العقل الميت والقاتل للعقول الأخرى برفض العِلم والمنطق أخطر من أي فيروس يتطفّل على خلايا أجسادنا الحيّة. 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *