جائحة كورونا وأمراض القلب  والشرايين

Views: 819

د. طلال حمود

(طبيب قلب وشرايين- مُنسّق ملتقى حوار وعطاء بلا حدود)

تلقي هذه المقالة  الضوء على المخاطر القلبية لبعض الأدوية المستعملة في علاج الالتهابات الناتجة عن هذا الفيروس، خاصة بعد إستعار النقاش حول استعمال دواء الهيدروكسي- كلوروكين (Hydroxychloroquine) في محاولة لعلاج هذه الالتهابات لأن هذا الدواء قد يكون خطيراً عند بعض المرضى وفي بعض الحالات كما سنُفصّل لاحقاً في هذه المقالة.

 

 

-الكلوروكين (Chloroquine) والهيدروكسي-كلوروكين (Hydroxychloroquine) هما من الأدوية التي أثارت ضجّة كبيرة في الأوساط العلمية والإعلامية والشعبيّة، خاصة على وسائل التواصل الاجتماعي، منذ انتشار جائحة كورونا، بسبب الدراسات التي نشرها البروفسور ديديه راؤول في مدينة مرسيليا الفرنسية والتي أكدّ فيها، حسب أقواله، أنّ دواء الهيدروكسي-كلوروكين إضافة الى مُضاد حيوي معروف إسمه ازيترومايسين (Azitromaycin) هو كوكتيل او بروتوكول علاجي فعّال جداً، ويجب تعميمه، بحسب اقواله، على كافة المرضى الذين يعانون من إلتهابات في فيروس كورونا في المراحل المُتوسّطة من المرض. لكنّ اقواله هذه تسبّبت بردّة فعل كبيرة من قبل أوساط علمية كبيرة في فرنسا ودول أوروبية وغربية أخرى، لأنهم اعتبروا ان الدراستين اللتين قدّمهما راؤول لم تكونا قائمتين على منهجية علمية دقيقة، وأنه تسرّع في إصدار توصياته وتأكيده أنّه وجد الدواء الفعّال الأساسي لهذا الوباء، رغم خطورة استعمال الهيدروكسي- كلوروكين وآثاره الجانبية الكبيرة.

ونشير هنا الى أن دواء الكلوروكين (Nivaqine) هو دواء قديم جداً ومُستعمل منذ زمنٍ بعيد لعلاج مرض الملاريا. وقد اشتقت منه ادوية كثيرة اخرى، منها بعض الأدوية التي تُستعمل في علاج بعض اضطرابات كهرباء القلب وبعض المضادات الحيوية الكثيرة الإستعمال حالياً.

وهذا الدواء يمنع تكاثر الفيروس لانه يزيد درجة الحموضة الداخلية الموجودة في الخلايا عبر تأثيره على بعض الأنزيمات.

أما الدواء المُشتّق منه الهيدروكسي-كلوروكين، هو أيضاً دواء قديم، لم يعد يُستعمل لعلاج الملاريا، لكنّه يُستعمل حالياً لعلاج الحمى الذئبية وبعض أنواع الروماتيزم، وذلك منذ زمن طويل وضمن شروط طبيّة تتطلّب مُراقبة تخطيط القلب وكمية الأملاح في الجسم. كما أن له آثاراً جانبية كثيرة على شبكة العين والكبد والكلى والقلب .

ونعرف منذ زمن طويل أنّ لهذين الدوائين آثاراً جانبية شديدة الخطورة تؤثر على القلب على المدى المتوسط والطويل، خاصة بعد مرور فترة ثلاثة أشهر او أكثر على استعمالهما، او عند زيادة الجرعات المُتناولة او وجود مرض قلبي سابق او معروف عند الشخص الذي يتناول هذه الادوية. وهما يتسبّبان بأضرار في عضلة القلب و يؤدّيان الى تباطؤ مرور الكهرباء في الشبكة الكهربائية للقلب، لأنهما يمنعان عمل بعض الانزيمات الأساسية داخل خلايا هذه الشبكة. كذلك لهما آثار جانبية على الكبد خاصة لمادة الكلوروكين بحيث يزيدان من نسبة بعض الأدوية القلبية، خاصة مضادّات او مثبّطات بتا (Beta_blokers)، ويزيدان من مخاطر تسمّم الجسم بهذه المواد، خاصة مضادات بتا الكثيرة الاستعمال عند مرضى القلب. ولكن اخطر ما يسبّبه هذان الدواءان هو تمدّد مؤشر الـ (Prolongation QT) على تخطيط القلب، مما يؤدي كما ذكرنا سابقاً بحصول اضطربات خطيرة في ضربات القلب وإمكانية حصول حالة رجفان بطيني خطيرة او مُميتة تُعرف بإسم (Torsade des pointes)، وهي شائعة جداً عند المرضى الذين يُعانون من نقص في مادة البوتاسيوم في الدم، كما ظهر عند الكثير من المرضى المُصابين بفيروس كورونا، او الذين يُعانون من نقص الاوكسيجين بالدم، او الذين يُعانون من اضطرابات في الجهاز الهضمي، كما هي حال معظم المرضى المُصابين بهذا الفيروس . كما أنها تزداد كثيرًا عند تناول أدوية اخرى تزيد مسافة مؤشر QT مثل الازيترومايسين الذي استعمله البروفسور راؤول في بروتوكوله الذي نشره، واستعمال المضادات الفيروسية التي تكلمنا عنها سابقاً.

 

-مادة ال (Tocilizunab) وهو جسم مضاد مُصنّع يُستعمل في علاج بعض أنواع أمراض الروماتيزم المُتقدمة. كما انه مُضاد للاقطات مادة معروفة جداً، وهي مادة اشرنا لها سابقًا تدعى ال (Interleukine-6)، يفرزها جهاز المناعة في الجسم عند حصول هجوم جرثومي او في حال التعرّض لبعض انواع الالتهابات. وقد يكون لهذا الدواء دور كبير في علاج عاصفة السيتوكين (Cytokines) الناتجة عن الالتهابات الفيروسية المُتقدّمة. وهي مواد كلها لا علاقة بجهاز المناعة، وعادة هي ردة فعل طبيعية وعادية للدفاع عن اجسامنا تجاه الأجسام والمواد الغريبة كالفيروسات مثلاً. ويقول معظم الأطباء ان ردّة الفعل هذه في حالة مرض كورونا والمُبالغ فيها بشكل خطير من قِبل الجسم في هذه الحالة لها الدور الأساسي والجوهري في حصول الأضرار البالغة في الرئتين والناتجة عن الفيروس. ومن هنا ضرورة إيقاف هذا الشلال من ردّات الفعل غير المُتناسبة وغير المُتناسقة مع حجم الهجوم وبكل الأدوية المُمكنة.

 وكانت عدة فرق طبية ايطالية أعلنت عن أهمية هذا الدواء في علاج الاعراض الناتجة عن فيروس كورونا، ممّا دفع السلطات الصحيّة الإيطالية الى الموافقة على دراسة واسعة انطلقت في 16 اذار 2020 في عدة مراكز إيطالية حول فعاليّة هذا الدواء، الذي أظهر نتائج مُشجّعة جداً في بعض المراكز الصينية و الايطالية. ولا يوجد حتى اليوم آثار جانبية خطيرة لهذا الدواء رغم أنه قد يغيّر في كميات او نِسب بعض الادوية في الدم.

-دواء(Interferon-beta): وهي مواد تفرزها ايضاً عادة وبشكلٍ طبيعي خلايا جهاز المناعة في الجسم عندما يتعرّض الجسم لهجوم جرثومي أو فيروسي او من قبل اي جسم غريب. وقد اظهرت عدّة دراسات ان لهذه المواد اذا ما تمّ حقنها مع مادة (Kaletra) التي تكلّمنا عنها سابقاً ( دواء يستعمل لعلاج فيروس الايدز وفيروس الوباء الكبدي من نوع C) من المُمكن أن يكون لها فوائد كبيرة في الحدّ من الالتهابات الفيروسية الكبيره ومُراقبة مخاطرها. خاصة عندما يطال هذا الفيروس الجهاز العصبي ويؤدي الى أعراض عصبية كبيرة.

-دواء (Bevacizumab) وهو ايضا ًمن الأدوية التي اظهرت بعض الفعالية في علاج الالتهابات الناتجة عن فيروس كورونا وهو جسم مضاد لهورمون موضعي اسمه (VEGF Vascular Endothelial Grouth Factors) وهو مسؤول عن تكاثر الشعيرات والخلايا الشريانية في الأماكن المُصابة بالإلتهابات . ويعتقد الأطباء أن إيقاف هذه العملية من المُمكن ان يُخفّف من نسبة الإلتهابات ورشح السوائل واحتقان الخلايا المُتضررة في الرئتين. وهو اساساً دواء يُستعمل لعلاج انواع السرطانات التي تصيب الرئتين او الكولون او الثدي او الرحم او المبيض او الكلى او بعض السرطانات المُنتشرة خاصة في العظم. كما أنه بشكلٍ عام لا يتسبّب بأعراض جانبية قلبية خطيرة ما عدا بعض حالات إرتفاع الضغط الشرياني او تدهور حالة بعض المرضى المُصابين بقصور في عضلات القلب.

 

-مُضادات تليّف الرئتين مثل (Pirfenidone) وهي مادة تُستعمل لمنع تطوّر بعض انواع التليّف الرئوي المجهولة الأسباب. ويقوم هذا الدواء بإيقاف عمل مواد موجودة في الرئتين وفي كل انحاء الجسم مثل (Interleukin-1B) و (Interlekin-4). وبذلك يمنع بشكلٍ كبير الآثار السلبية الخطيرة والمدمّرة على الرئتين والناتجة عن عاصفة مواد السيتوكين (Cytokines) التي ذكرناها سابقاً. وقد اكّد الخبراء ان هذه العاصفة او الموجة السيتوكينية التي تُصيب الرئتين في الحالات الخطيرة والحرجة من إلتهابات كورونا هي ناتجة عن ردّة فعل غير طبيعية لجهاز مناعة المريض المُصاب بالفيروس، ولذلك يجب علينا إيقافها بكل الوسائل المُتاحة كما ذكرنا. نشير ايضاً الى انه ليس هناك من اثار قلبية معروفة حتى تاريخ اليوم لهذه المادة.

-الكورتيزون (Methyl-prednisolone): هناك دراسات كثيره اظهرت ان الكورتيزون بكمّيات كبيرة قد يكون مفيداً في علاج “مُتلازمة نقص التنفس الحاد” التي يتسبّب بها فيروس كورونا، وخاصة في الحالات المُتقدمة منها. لكنّ هذه الجرعات الكبيرة من الكورتيزون لها اثار جانبية ومن اهمها زيادة امتصاص الجسم للسوائل والأملاح مع إمكانية حصول إحتقان رئوي حادّ وارتفاع في الضغط الشرياني  واختلاطات اخرى مُهمّة على مستوى الأملاح في الجسم، من اهمّها انخفاض مادة البوتاسيوم في الدم والخلايا المُختلفة وتدهور حالة مرضى السكري وإمكانية حصول حالات هلع وتوتر وقلق شديد عند المرضى المُتقدّمين بالسن.

كلّ هذه الاثار الجانبية تدفع الأطباء لمحاولة تفادي إستعمال جرعات كبيرة من هذه المادة لفترات طويلة، خاصة وانّ لها ايضاً اثاراً جانبية أخرى على عضلة القلب مُباشرة وعلى العظام (ترقق العظام). وهي تؤدّي أيضاً الى تغيير في فعاليّة بعض الادوية المُضادة للتجلّط في الجسم، ويذهب البعض الى القول انها قد تزيد من خطورة الالتهابات الفيروسية، ولذلك فهم لا ينصحون باستعمالها سوى بحذر شديد وبكمّيات قليلة ولمدّة قصيرة جداً.

– بعض الملاحظات حول ادوية الضغط و القلب والشرايين عند مرضى الكورونا : لا بد لنا ان نشير في النهاية الى انّ كل المرضى الذين يعانون من حالات حرجة ناتجة عن التهابات رئوية حادة والتي تستدعي حالاتهم الدخول الى غُرف العناية الفائقة يتوقفون حتماً عن تناول بعض الأدوية الأساسية لأمراض القلب والشرايين وخاصة مُضادّات التخثّر والتجلّط وادوية الضغط والدهنيات والسكّري وغيرها من الادوية . وهذا ما يؤدّي عندهم الى ظهور ذبحات قلبية حادّة او حالات قصور قلبي حادّ او إضطرابات خطيرة في ضربات القلب، وكلها عوامل إضافية لمُضاعفة خطورة المرض لديهم والتسبّب بوفاتهم في أغلب الأحيان لأن حالتهم تكون اساساً مُتدهورة للغاية بسبب الالتهابات الرئوية الخطيرة والضرر الكبير الذي أصاب الرئتين لديهم .

 

اخيرا و على هامش الإصابة بالالتهابات الفيروسية الناتجة عن COVID_19 ظهرت بعض التحذيرات من استكمال بعض أدوية الضغط من عائله ACE inhibitors: Angiontensin Converting Inhibitors ومن عائلة ARB : Angiotensin Renin blokers ، حيث قال بعض الخبراء انهما قد يزيدان من مخاطر انتشار الفيروس في الرئتين و يزيدان من خطوره انتشاره في كل الجسم، لأنه وكما نعلم ان الفيروس يستعمل البروتيين الذي يسمى ACE2 الموجود بكثرة في خلايا الرئتين (خلايا جدار الشعب الهوائيه وفي خلايا الجهاز الهضمي والكلى ) لكي يلتصق فيها ويدخل من بعدها الى الخلايا الرئوية حيث يتكاثر.

لكنّ عدّة جمعيات علمية عالمية من ضمنها الجمعية الاوروبية لأمراض القلب والجمعية الاوروبية للضغط الشرياني و الجمعية الكندية لأمراض القلب وغيرها من الجمعيات العالمية أصدرت توصيات بضرورة إستكمال كل الأدوية التي يتناولها المريض من اجل علاج امراض القلب والضغط الشرياني والدهنيات وغيرها. ولم تتبنَّ كل هذه الجمعيات الدراسات التي أوصت بإيقاف الادوية من العائلتين المذكورتين.

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *