أيها المصلوب

Views: 555

خليل الخوري  

تستعيد البشرية اليوم واحداً من أكبر أحداثها عبر التاريخ. إن الظلم والإضطهاد اللذين تعرّض لهما المسيح، والعذاب الذي ألحِقَ به هما علامةُ حالٍ هي نسيجَ وحدِها… فما تحمّله الرب يسوع الناصري، في طبيعته البشرية من جلدٍ وطعنٍ ورفع صليبٍ ضخمٍ صعوداً في درب الجلجلة، وغرزِ إكليل الشوك في هامته، وصلبه، وتقديم الخلّ إليه لإرواء عطشه بدلاً من الماء… كلها عناوين ظلم وإستبداد وحقد لا مبرر لها في المفاهيم الإنسانية والقانونية.

ولعلّنا لا نقول جديداً في ذكر ما تقدّم. ولكننا نودّ أن نتوقف عند بضع نقطٍ في هذه التضحية فوق البشرية التي أقبلَ عليها المسيح بإرادته من أجل خلاصنا:

أولاً- المسيح هزّ الامبراطورية الرومانية ثمّ أسقطها في عزّ صعودها وقوّتها وكان العالم أحاديّ القطب في زمنها. وهذا الحدث الضخم جرى من دون إراقة نقطة دم واحدة، فقط دمه المقدس شخصياً ولاحقاً دماء أتباعه الشهداء يتقدمهم القديسان بطرس (الصخرة التي بنى عليها المسيح بيعته) وبولس (رسول الأمم الذي نقل المسيحية من البيئة اليهودية إلى سائر أقطار العالم المعروف في زمانه). أي أنّ المسيحية حققت هذا الإنتشار العالمي الرحب والسريع والكبير جداً بالكلمة  والمحبة.

ثانياً- إنّ مسيرة المسيح على الأرض، بطبيعته البشرية، لم تغب عنها في لحظة واحدة الدعوة إلى السلام والمحبة اللامتناهية. «أحبوا أعداءكم باركوا لاعنيكم»… هذه المحبة بلغت ذروتها التي تجاوزت أرقى وأسمى القيَم، بما يعجز عنه أيّ إبن آدم، عندما تضرّع يسوع الناصري إلى أبيه السماوي قُبيلَ أن تفارقَ الروح المقدسة جسدَه: «يا أبتاه أغفر لهم لأنهم لا يدرون ماذا يفعلون».

ثالثاً- بُنيت الرسالة المسيحية على الإيجابية وليس السلبية. المثال الأبرز: قبل المسيح قال كونفوشيوس «لا تفعل بالغير ما لا تريد أن يفعله الغير بك»، وهي دعوة رائعة لكنها سلبية. أما المسيح فقال إيجاباً: «إفعل بالغير ما تريد أن يفعله الغير بك». والفارق كبير بين سلبية لا تفعل وإيجابية فاعلة.

رابعاً- المسيحية التي بُنيت على المحبة ترجمها بولس الرسول في رسالته الأولى إلى أهل كورنثوس (13) التي يقول فيها: «إن كنت أتكلّم بألسنة الناس والملائكة ولكن ليس لي محبّةٌ فقد صرتُ نحاساً يطنّ أو صنجاً يرُنّ. وإن كانت لي نبوءةٌ وأعلم جميع الأسرار وكلّ علمٍ، وإن كان لي كلّ الإيمان حتى أنقلَ الجبال ولكن ليس لي محبة فلستُ شيئاً. وإن أطعمت كلّ أموالي، وإن سلّمتُ جسدي حتى أحترق، ولكن ليس لي محبة فلا أنتفعُ شيئاً. المحبة تتأنى وترفُق. المحبة لا تَحسِد. المحبة لا تتفاخر ولا تنتفِخ ولا تُقبّح (…)».

أيها المصلوبُ على خشبةٍ اليوم الجمعة، ونحتفل بقيامتك المجيدة بعد غدٍ الأحد، قاهراً الموتَ بالموت، عينُك على لبنان. فليكن رفيقك إلى القيامة. لك المجدُ إلى الأبد.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *