كتّاب اللحظة الراهنة: كل العلم والثقافة ملكنا!

Views: 414

د. طلال حاطوم

في جلسة مع أصدقاء أعزاء، دار النقاش حول أدوار المثقفين وأساتذة الجامعة في المجتمع، خصوصاً في ترقية الرأي العام وتوجيه الجيل الجديد (خلنج) من طلاب الجامعات الذين يغيب عنهم الكثير من العلم وتندر لديهم الثقافة الى حد الاستهجان والتململ والحيرة عند سماع مقولة أو رأي أو نقاش حول رواية (!!) أو مطالعة لكتاب (نعم، هذا الذي يجمع بين دفتين أوراقاً مطبوع عليها كلمات ومجموعة في غلاف عليه اسم الكتاب والمؤلف ودار النشر وسنة الطبع). هذه الجلسة هي سبب هذا الموضوع:

الأخبار في لبنان تحفل بما يسبّب القلق والأرق والهمّ، ولكن لا مَناص من متابعتها رغم رفعها لضغط الدم، وإلّا غاب المرء عن الحدث الذي غالباً ما يتوقّع حصوله الى حدّ اليقين، ويزعم أن الأخبار أكدت حدسه.

العجب ان مُدّعي الكتابة عموماً، وكتابة الأخبار في معظم وسائل الإعلام في بلدي (فقط في بلدي)، يظنون انهم هم من اخترع للنملة نظارات، ومَن ألبَس القملة ثوب العرس، بعكس الكتبة وكتّاب الاخبار في بلدان العالم الذين يعتبرون الكلمة مسؤولية كبيرة ويحاسبون أنفسهم عليها قبل ان يحاسبهم الناس على مصداقيتهم وموضوعيتهم وجديتهم وجديد ما قدموه بعيد عن الاجترار والنقل والتكرار.

هؤلاء، في بلدي، تراهم اوائل العارفين بخبايا الامور ودقائق التفاصيل، الى حد الظَنّ انهم همّ من سرّب المعلومات الاساسية للقنبلة النووية، وسبقوا اينشتاين، واستطاعوا قياس قوة اختراق جدار الصوت بـ(الماخ) قبل طائرة الكونكورد الفرنسية، وحددوا سرعة الضوء، ويعملون بالسر على آلة السفر عبر الزمن، وفكّوا حروف الهيروغليفية، وانتظروا ان يطلع الصباح على شهرزاد فتتوقف عن الكلام المباح.

تقرأ ما يحبّرون عن موقف او حادث بيقين الآتي من كوكب آخر حاملاً مفتاح المعرفة بجيب وبالثانية (قضامة وبزر). فيقدمون قصصاً من عالم الخيال (يا محلا ديزني لاند في عزها)، يدعمونها بـ: نقلاً عن مصادر موثوقة (عندهم)، وما عليك الا الانصياع بثقة عمياء الى سدادة رأيهم ورأي المصادر التي يحظّر عليك معرفتها.

يدّعون بالعلم والمعرفة صلة قرابة، ويستندون الى شهادات مستنسخة في الغالب (مع استثناءات طبعاً) يتشاوفون بتعليقها ايقونة في عين الحاسدين من اقرانهم الذين لم تسمح انتماءاتهم وولاءاتهم او طوائفهم او مذاهبهم لهم بالوصول الى (اعلى المراتب)، او حتى تكاد تظن ان عمّ الواحد منهم امّا هيغل او فورباخ، وخاله لأمّه كارل ماركس، وهناك قرابة لزم مع ابن خلدون ويتندّرون ان اسمه منقوش على حائط البانتيون قرب جامعة السوربون بباريس، وكان هيمنغواي يسكن معهم في (حي الشامتين) ويلعبون معه وينادونه ارنستو للدلال، وحين هرب سولجنستين ليعرف: على ايّ وجه ندبّر روسيا؟ اختبأ لاجئاً في بيت جيرانهم.

هؤلاء الذين لم يسمعوا بمئة عام من العزلة لمركيز، يجلسون في مقهى الفيشاوي في القاهرة الذي شهد على ولادة روائع الأدب والفن العربي، وكان من الأماكن المفضلة لنجيب محفوظ وإحسان عبد القدوس، ويوسف السباعي، ويوسف إدريس، والشعراء كامل الشناوي ومحمد ديب والكاتب الكبير عباس محمود العقاد، والممثل نجيب الريحاني، كما ارتاده بين فترة وأخرى عبد الحليم حافظ وغيره من مشاهير الفن في الزمن الجميل. حتى أنّ كلاًّ من «جان بول سارتر» و«سيمون دي بوافور»، زاراه عدة مرات، وعبّروا عن إعجابهم الشديد به.

يتناقشون أفكار بالزاك وراسين ورامبو ومدام دو ستايل وفيكتور هيغو، ويحللون مغزى رواية الأم لمكسيم غوركي التي قال فيها لينين إنها تمثّل نصف ثورة 1917 لما فيها من وعي حاد أثّر في المجتمع برمّته.

هؤلاء يؤكدون انّ الفلسفة والآداب وعلم النفس وعلم الاجتماع والعلوم السياسية والرسم والمسرح وسيمائيات التواصل والسينما والسيميولوجيا والجغرافيا والتاريخ والأنثروبولوجيا وعلم الجمال هي مفاتيحهم الاساس للمعرفة، وان الغطاء كُشف عن عقولهم المتفتحة ليكونوا منارة للعالم ومرجعاً للبسطاء.

ينقل عن الكاتب الانكليزي الساخر برنارد شو: «كان تولستوي مثلي، لا يؤمن ببعض الخرافات، مثل الطب والعلم مثلاً».

لهؤلاء نتمنى العمر المديد، وأن لا يحرمونا من فائض علمهم ومعرفتهم. آمين.

  • هامش ضروري: كثير من الأسماء والمصطلحات الواردة أعلاه تسبّب (الحكة)، ووجع الدماغ، تنصح منظمة الصحة العقلية بعدم الاقتراب منها، أو الاحتكاك بها أو ملامستها عن قرب لمنع عدوى الثقافة من الانتشار والتحوّل الى جائحة.

بس هيك.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *