حكاية الأجيال

Views: 952

د. طوني الحاج

صبيحةَ  اليوم الثاني جالَ شريطُ أيّامٍ أربعةٍ أمام عينيَّ، فرأيتُني أُعيدُ حكايةَ ذاتي على ذاتي. لماذا قبلتُ بالثلاثينَ من الفضّة، (ولِمَ لَمْ تقارب الخمسينَ أو الستينَ أو…؟). حمّلْتُ عاطفتي قُبلةَ خيانةٍ ممزوجةٍ بكلِّ سمومي، (فلمَ لا أكون أنا الأوّل؟) لمَ لست الأنا؟! هي حكايةٌ بشرّيةٌ من آلافِ السنين، أورثتُها  لكلِّ أجيالِ الأرضِ (سابقِها وآتيها). لمَ لست أنا؟!!! 

ومرّتْ على الأرضِ المصاعبُ والأهوالُ والحروب. وأبدًا أبقى أنا اليهُوَذيُّ أُورثُ من عمقي إلى كلّ أعماقي، وأظلُّ واقفًا أبدًا أضحكُ اليأسَ وأبكي الحقدَ وأستنزفُ الأنا. أُرافقُ المصلوبَ من بَدءِ المسيرةِ التي استمرّت لألفي سنةٍ ونيّف، وستبقى… أرافقُهُ، وقهقهاتُ النارِ توقدني حطبًا، وأمشي لأسألَ: هل تمَّتِ الفصول؟ حتى في لحظاتِ الاشتعال هذه أبقى في مسيرة الاستطلاع، (لمَ لست الأنا؟!) وهي الأنانيةُ المتحكّمةُ بالدهور. وأتابع المسيرةَ التي لن تُنهيها الدهورُ. 

لكنّي أقفُ من علُ على قِمّةِ الجلجثة (جاجولثا)، لا لأنهيَ الحكايةَ، فهي مستمرّةٌ إلى أن  أوقفَها، أنا  اليَهُوَذيّ؛ واستمرّيتُ في الرِحلةِ… (لمَ لست أنا؟!). ويصلُ المصلوبُ فيلسعني لهيبُ النار، (كيف تسلّمني؟!). ولكنّي أسلمتُ ذاتي لأكونَ، ولو على صليبِ الموت، فأكون الأنا! وما هالني لهيبُ عينيكَ يوقدُ ثانيةً حطبي. 

واستمرّيتُ أكتبُ حروفَ المسيرةِ بدمِ الحملِ، ولكنّي أبدًا أُسيرُها. وعُلّقتَ على الصليب (تراني هل اكتفيت؟!!!!!) لكنّ إنكاري يستمرُّ لأُعلِّقَ نفسي على مشنقةِ الأجيال، لأبقى في منازعتي آلاف السنين، علّي أحقّقُ أناي. وما اكتفيت!!!! وبقيتُ حتى النهاية. لم تُبكني عينا أُمّكَ، ولا اَهاتُها  تقبّلُ دمَ قدميك. لم تُبكني  أو  تُعلّمني! واستمرّيتُ  واقفًا أسألُ: هل عُلّقَ حقًّا على الصليب؟! وبقيتُ؟! وكان يعرفُ أنّي سأورثُ حقدي بشريّةَ الأجيال. فصرخَ يملأُ الأرضَ والسماء وكلَّ آتياتِ الدهور. لكنّي وحدي (ما أردتُ أن أسمعَ).

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *